عدن/ – عاد نعمان
مستعيناً بتقديم محمد حسنين هيكل لكتاب نعوم تشوفسكي “ماذا يريد العم سام؟”، قدم د. سامي عطا المفكر والفيلسوف اليمني الكبير/أبو بكر السقاف، حيث قال عنه: “يستحق أن يُقرأ في أي وقت ومع أي مناسبة، وفي كل موضوع، ذلك أنه بالاختصاص فيلسوف، ثم أنه بالموقف مثقف؛ فهو المفرد بصيغة الجمع، السقاف.. نفسٌ شفافة كالبلور، وروحٌ تذكرنا بأولئك المتصوفة الزهاد، الذين وهبوا حياتهم لملاحقة الحقيقة، مفكر وثاب وعقل متقد، مثقولٌ دوماً بالهم العام واليومي، لا شيء يشغله سوى الإنسان وما ينعطف عنه، الحرية والتحرر والاستبداد والطغيان والشقاء و..، يخاصم بروح الفيلسوف، تجده يتجه دائماً صوب نقد الأفكار، ويكره التزلف، ولا يطيق الألقاب ونعوت التعظيم، يصف الآخرين بذات الصفة التي يحب أن يُشار بها إليه، الزميل، ودود ومتواضع تواضع العلماء، متوفر ووافر”.
بهذه العبارات افتتح أستاذ فلسفة العلم ومناهج البحث والمنطق المساعد بقسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة عدن الندوة المسائية التي أقيمت في منتدى “بن جازم”، التي ألقى فيها ورقة عمل موسومة بعنوان “أبو بكر السقاف.. عالماً ومفكراً”، وذلك احتفاءً بمناسبة بلوغه الثمانين عاماً، قدم من خلالها قراءة في فكره، متطرقاً بمقدمته لشهادة كل من الدكتور عبد العزيز المقالح والشاعر صلاح عبدالصبور، فقد كتب الأول عنه في افتتاحية كتاب “دراسات فكرية ونقدية للسقاف”: “لا أبالغ إذا ما قلت أنه قد صار لدينا ما نقوله للآخرين، بعد أن كان لديهم ما يقولونه لنا ولغيرنا”، بينما طلب الثاني منه أن يوافيه بكل ما ينشره السقاف في الصحف والمجلات المحلية، بعد أن قرأ له في مجلة “الحكمة” بحثاً متميزاً عن المعتزلة.
وأشار بإطار حديثه: “لم يكن السقاف متفرغاً لجمع إنتاجه الفكري، وإصداره في كتب، وتولى المهمة عنه تلامذته وزملاء له ومهتمون بفكره، فقد كان ولا يزال منخرطاً بالشأن اليمني، ومهتم بقضايا الإنسان، ويعتبره أعلى قيمة، ولا تهمه الشعارات والإزاحات الجغرافية، يسجل حضوره في قضايا التضامن والرأي وحملات المناصرة، في المحاكمات والمظاهرات والاحتجاجات، ويرى المجتمع الثري بتعدده وتنوعه وتلونه، فهو مناخ مناسب للإبداع وممارسة الحرية، وإخراج الفرد لما لديه من مخزون تميز وتفوق، وأن المجتمعات التي تقوم على الهندسة الاجتماعية، هي جامدة وأحادية”.
وإزاء العديد من الأحداث المحلية والعربية، أشار إلى أن للسقاف مواقف نقدية تجاهها، أثارت بعضها جدلاً واسعاً، ففي مقال له وجه تحية لحركة “طالبان” في أفغانستان كونها مقاومة وقوة داخلية ضد احتلال خارجي، وأيضاً ما ورد في أحد مقالاته عن البلدين العربيين الوحيدين اللذين شهدا ثورتان فعليتان وحقيقيتان، هما: “جنوب اليمن” و”الجزائر”، وأن ما حدث في 26 سبتمبر و23 يوليو انقلابان عسكريان، لا ثورتين؛ ويوضح عطا أن الثورة في فكر السقاف تغيير جذري وقطيعة مع الماضي وإحلال طبقة مجتمعية عوضاً عن أخرى، وعندما وصف “الوحدة اليمنية” في مقال آخر له بأنها احتلال داخلي؛ فالوحدة بالنسبة له ليست مقدسة طالما هي ضد المصلحة العامة، وإنما موقفه من جوهرها.
مضيفاً بقوله: “يرى السقاف أن العمل أساس الديمقراطية – المجتمع المنتج، ويرفض تلك المستوردة من الخارج؛ فهو مع حركة الشعب في تقرير مصيره، وأن الإرادات الداخلية هي الأساس ومن تقرر؛ فللدولة سيادة، التي تتخذها إرادة، والإرادة الجمعية هي التي تؤسس الدولة، والاستبداد الداخلي هو ما يستدعي التدخل الخارجي، والتماهي مع الخارج ليس لصالح البلد؛ فللخارج مصالحه التي يحافظ عليها ويراعيها”، موضحاً أن السقاف تأثر كثيراً برواد ثورات اللاعنف كالروسي توليستوي والهندي غاندي، التي خلقت فيما بعد مجتمعات تتمتع بمناخات صحية، لا تعاني الإعاقة، حتى في حالات ظهور العنف استطاعت أن تقف أمامه وتعالجه؛ فتلك الثورات أقل كلفة واستنزافاً، وتمثل ظواهر صحية لما بعد الانتصار والتحرير.
وفي ختام ورقته نوه عطا إلى التالي: “ليس بالاستطاعة نقل فكر أحدهم كما هو عليه 100%، فقراءة نص يعني ولادة نص جديد، وكل واحدٍ منا ينظر لفكر أحدهم من زاويته الخاصة؛ فلا بد أن يكون هنالك تمايز وتباين”، مؤكداً أن مشاركته في الندوة جاءت من التزامه الأخلاقي لشخص د.السقاف، المعلم والفيلسوف والمفكر، وعرفاناً بالجميل، والتقدير والاحترام؛ فهو ذلك المتواضع، الذي ينير العقول بفكر غير صدامي، عُرفت عنه البساطة، وقبوله بالجميع، لا يزهو بمعرفته، يوجز رؤيته الواسعة في مقالات قصيرة، فيها الجملة مجردة ومكثفة، تجعلك بعد قراءتها تفكر بالرسائل العميقة التي كان يريد إيصالها؛ فالعقلية يجب ألا تعمل على ثنائية إما .. أو..، وأن في الفكر ليس سلب مطلق ولا إيجاب مطلق؛ فجميع الأفكار لا بد أن تكون موجودة، والعقل هو الفاصل بينها، والإنسان هو المسئول عن مواقفه وأعماله، وهو أيضاً نتاج بيئته، وأن الهدف الأسمى يتجسد بالدولة المدينة، دولة الحق، كما أكد أنه لا يزال يحتفظ بجميع الملاحظات التي وجهها له د.السقاف.
Prev Post