جنيف 2 .. دلالات قبولها وإمكانية نجاحها
صلاح القرشي
مرت تسعة أشهر منذ بداية الحرب على اليمن من قبل التحالف السعودي الأمريكي، وخلال هذه المدة الطويلة فشلت كل المطالبات لأطراف الحرب على اليمن بوقف هذه الحرب والجلوس إلى مائدة المفاوضات للتفاوض حول الوصول إلى تسوية تنهي هذه الحرب، لأن كل الأطراف وخاصة الطرف السعودي كان يرى أنه لن يسمح بإنهاء ووقف هذه الحرب إلا بعد أن يكون قد حقق كل الأهداف الاستراتيجية والرئيسية التي وضعها ومن أجلها دخل هذه الحرب، ويرى أن تحقيقها أمر ضروري لا يمكن التراجع عنه ، وأن وقف الحرب بغير ذلك يضع السعودية بمشاكل داخلية وخارجية وينتقص من هيبتها ونفوذها في المنطقة، وقد يمثل بداية الانتكاسة لأسرة آل سعود وتراجع دورها وتأثيرها وما إلى ذلك، وبالتالي فقد كان الدور السعودي أكثر تصلبا في هذا الموضوع مستندا إلى الفارق الكبير في التوازن العسكري التسليحي والاقتصادي والى قوة دول التحالف. التي ضمت العديد من القوى الإقليمية والدولية، إلى جانب تأثيرها الاقتصادي والمالي في شراء ولاءات الدول المؤثرة في العالم أو ضمان سكوتها ، بالإضافة إلى تحييد وتعطيل الدور المهم لمجلس الأمن وبقيه منظمات الأمم المتحدة وجعلها تخدم استراتيجية عاصفة الحزم، لذلك استمرت الحرب طوال الأشهر التسعة.
ويبدو أننا اليوم نشهد ونسمع تحركاً جديداً للمبعوث الدولي والقيادة العمانية حول الوصول إلى اتفاق بين الأطراف اليمنية وإلى قبول أطراف الحرب عقد مباحثات ومفاوضات لإنهاء الحرب، وقد حدد الموعد لهذا هو تاريخ 15/12/215م أي منتصف هذا الشهر مع إقرار هدنة بين الطرفين أثناء هذه المفاوضات.
ولمعرفة ماهية أو دلالات قبول الأطراف لعقد مفاوضات جدية وحقيقية، يجدر القول إن موافقة السعودية وحلفائها من الدول الإقليمية والدولية المؤثرة على ما اتفق عليه في مسقط من هدنة وبدء إجراء مفاوضات في منتصف هذا الشهر لما حصل هذا الاتفاق المبدئي ، لأن ما يسمى الشرعية بقيادة هادي وحكومته لا تملك قرارها وهم مرتهنون في الموافقة على ذلك من عدمه إلى رضى التحالف السعودي ، وهذا يعد تحولاً كبيراً عن الموقف المتصلب للمملكة السعودية التي كانت تسعى لتحقيق انتصار ساحق وكامل وتحقيق أهدافها الرئيسية التي وضعتها.
ولكن في اعتقادي أن التحالف السعودي وافق وهو مجبر على ذلك لأن الواقع الميداني على الأرض يجري بغير صالحه ، سواء بفشله وتراجعه في جبهة نجران وجيزان وعسير ، أو في فشله بتحقيق أي نتائج ملموسة في جبهة تعز أو جبهة مارب، بالإضافة إلى ابتداء العد التنازلي لتبخر شرعية هادي وحكومته، واكتشاف العالم متأخراً أن هذا القصف والحرب لم يؤديا إلا لتوسع داعش والقاعدة وأخواتها في كل الجنوب.
وهذا ما تجلى في إعلان سقوط مدن أبين وشبوه ولحج وخاصة عدن والمكلا وغيرها في يد القوى السلفية والوهابية. والقاعدة وأخواتها، وكلنا شاهدنا وتابعنا خلال كل هذه الأشهر ومنذ انسحاب الجيش اليمني واللجان الشعبية الاغتيالات المتواصلة في عدن بشكل شبه يومي والفلتان الأمني في الجنوب والتي كان من ضمنها اغتيال محافظ عدن المعين من هادي ، وما يحدث في أبين من إعدامات وتصفيات وضرب كل القيادات والمليشيات التي كانت توالي هادي وغيرها.
ربما يكون التحالف لا يريد تكرار تجربة ما حدث للائتلاف السوري المعارض الذي مقره في اسطنبول الذي كان يتمتع في البداية بكل الدعم والشرعية وأعلنت عشرات الدول انه الممثل الشرعي للشعب السوري حتى أن الجامعة العربية منحته مقعد الجمهورية السورية ، والذي تلاشت شرعيته وضعف دوره إلى حد الانعدام في الأزمة السورية بسبب التبدل في الموازين على الأرض وإحلال مكانه جيوش وكتائب المجموعات المسلحة من داعش وجبهة النصرة وغيرها من مئات المسميات للقاعدة وأخواتها.، وهذه قضت على أي تواجد أو تأثير له على أرض الواقع ، كما يحصل الآن في خطوات متسارعة تجري في عدن والجنوب.
ومن يدري، فقد يكون تسليم الجنوب للقاعدة وأخواتها من قبل التحالف هو أحد الخيارات التي تعول السعودية عليها ، بعد فشلها خلال التسعة الأشهر في المواجهة العسكرية المباشرة.
ويعد انعقاد جنيف 2 بداية مرحلة جديدة للطرفين واختبار كل منهما الطرف الآخر حول ما يستطيع أن يمليه أو يحصل عليه من كل طرف ، وبداية الاعتراف بالأهداف الحقيقية والواقعية التي يمكن أن يحققها كل طرف وحسب إمكانية تحقيقها فعلياً على أرض الواقع.
لكننا نقول إن هذه المفاوضات في جنيف قد لا يعول عليها كثيرا في النجاح بسبب تعدد الأطراف والقوى المتداخلة والمهيمنة، وصعوبة التوفيق بين كل المطالب والشروط والمكاسب التي تبتغيها كل الأطراف الفاعلة في هذه الحرب.
فالسعودية ستطالب بكل ما تطمع به تجاه اليمن وما تصبو إليه في استمرار نفوذها وتدخلها في اليمن، وكذلك دوله الأمارات، بالإضافة إلى محور تركيا قطر الإخوان ، والدول الكبرى وخاصة أمريكا التي تعتبر اليمن واقعه ضمن المنطقة الحيوية للأمن القومي الأمريكي، والسياسيون وأساتذة العلوم السياسية يعلمون ذلك التصنيف الأمريكي للمنطقة، وفي المقابل سيصر الطرف المدافع عن اليمن والذي يحارب قوات التحالف على فرض شروطه وتحقيق أهدافه التي ومن البداية لم يقبل التنازل عنها ، وآثر أن يقدم كل هذه التضحيات الكبيرة في سبيل تحقيقها، وبالتالي لا شك أن هذه المفاوضات ستكون صعبة ومعقده وشرسة.
لكن، من المتوقع أن تجري مفاوضات أخرى موازيه وبعيده عن الإعلام والأضواء بين أطراف الحرب على اليمن، وبشكل سري ويمكن أن تكون مؤثره وعمليه أو قد تحدث نقله نوعيه أو تحريكاً حقيقياً في الأزمة اليمنية وهذه الحرب .، وقد يكون القصد منها خدمة طرف على حساب الطرف الآخر أو خدمة كل الأطراف ، أو إعادة صياغة التحالفات الداخلية بين الأطراف اليمنية.
وفي النهاية، أياً كانت المفاوضات إلحقيقية التي ستجري سواءً في جنيف أو الموازية لها في أي دولة أخرى، فإن الدول الكبرى تراقب وتشرف على ما سينتج من جراء هذه المفاوضات ، والتي ستسعى إلى أن تكون نتائجها تخدم مشاريعها وتثبت نفوذها وخاصة أمريكا، وإذا كانت نتيجة هذه المفاوضات لم ترض أمريكا والدول الدائمة في مجلس الأمن ،فإنها قد تقلب الطاولة على رؤوس المتحاورين ، وتعود إلى استخدام الخطة (ب) ، والتي ومنذ البداية قد عملت احتياطاتها ووضعت اليمن تحت الفصل السابع، وتستطيع التدخل المباشر تحت الكثير من المبررات الواهية، مثل محاربة تنظيم داعش والقاعدة، أو تنفيذ وتطبيق بنود القرار الدولي 2216 أو التدخل العسكري لحماية طرق الملاحة الدولية من التهديد وغيرها من المبررات، وقد لا يقتصر هذا التدخل فقط على أمريكا ولكن كل الدول الكبرى ستسعى إلى التدخل من أجل ألمقاسمة والحصول على المصالح ، وحتى الصين يمكن أن تتدخل بحجة محاربة الإرهاب، خاصة وأن الصين بدأت بالتوسع في المنطقة وتبحث لها عن موطئ قدم ، وبالفعل قد بدأت بالشروع ببناء قاعدة بحرية لها على الأراضي الجيبوتية.
وفي الأخير نقول إن السلام ووقف الحرب وتحصيل الحقوق كلها تعتمد في الأول والأخير على التوازن العسكري والواقعي على الأرض، والصمود في الحرب، وأن هذا الواقع على الأرض ينعكس في علاقة طردية على طاولة المفاوضات وتحصيل الحقوق ، وهذا ما نتابعه ونلمسه من الطرف المدافع عن اليمن ضد قوى التحالف، المتمثل في الجيش واللجان الشعبية الذي يمارس سياسة ذكية تقوم على النفس الطويل في الحرب والدفاع عن الوطن حتى آخر نفس، وامتصاص قوة الخصم وإفشال كل خططه واستنزافه ، وصبره في هذه الحرب، والتشبث بتحقيق أهدافه ومن أهمها انتزاع وامتلاك القرار اليمني من الهيمنة الخارجية والإصرار على وحدة وطنه وعدم الانتقاص من سيادته، والشعب اليمني سيكون وراء جيشه ولجانه الشعبية داعما ومناصرا له حتى النهاية ، خاصة انه لم يعد يوجد ما يخسره، فقد ضربت معظم البنى التحتية وكل الأهداف التي حددها عدوه ، وأيضا دفع الآلاف من أبناء هذا الشعب حياتهم من جراء القصف المدمر الظالم العشوائي للدول التحالف ، وما عليه إلا أن. يستمر في ذلك في سبيل انتزاع كامل حقوقه العادلة التي لا يقبل التنازل عنها أو التفريط بها.