التضاد التاريخي للجغرافيا الوطنية
تتحدث بعض المصادر التاريخية أن سبأ لما قسم بين حمير وكهلان ملكه جعل سياسة الملك لحمير وأعنة الخيل وملك الأطراف والثغور لكهلان ولم يزل الأمر على ذلك لحمير على كهلان الطاعة والملوك الراتبة في دار المملكة من حمير والملوك في الأطراف وفي الثغور من كهلان ويقال: إن الغساسنة من كهلان وتحدثت تلك المصادر أن العدد في بني كهلان كان أكثر من بني حمير وقد ظل أولاد حمير في المناطق الجبلية وأولاد كهلان في الأطراف والثغور ويمكن للمرء أن يميز من خلال الآثار واللقى والموجودات الأثرية بين ثقافتين كانتا ظاهرتين وهما الثقافة التوراتية والثقافة الإنجيلية ويدرك أن الثقافة التوراتية كانت أكثر بروزا في الهضبة الممتدة من يريم إلى نجران والإنجيلية كانت أكثر بروزا في الأطراف والثغور أي في الموانئ والمناطق الساحلية وبالقياس ندرك أن الكهلانية أكثر تناغما مع الخط السني والصوفي في العصور الإسلامية والحميرية كانت أكثر تناغما مع الخط الزيدي الهادوي ولذلك انتقل الصراع بين الكهلانية والحميرية في مستويات ثقافية متعددة المستوى الاجتماعي وهو الشعور الطاغي عند الكهلانية بروح الاستبداد عند الحميرية وروح التسلط والمستوى الثقافي وله مستويات وجذور تاريخية بدءا من حادثة الأخدود وربما قبلها وظل الصراع يتعدد ويتجدد في كل فترات التاريخ من خلال التمايز والتعدد المذهبي والمستوى السياسي الذي لم يخضع في أي فترة من فترات التاريخ الإسلامي أو يهدأ فحين يصل الخط الكهلاني إلى السلطة يظل الخط الحميري رافضا الخضوع والطاعة ومقاوما لمفردات التسلط, ولعل المتأمل في التاريخ الحديث يجد أن الزيدية وهي تمثل الامتداد الطبيعي للخط الحميري لم تهن أو تخضع للاحتلال العثماني في حين تناغم الخط الكهلاني الممتد من حدود المخلاف السليماني مرورا بتهامة فتعز باستثناء مناطق الجنوب التي كانت واقعة تحت الاحتلال البريطاني إلى درجة أن وصل بعض أعيان ذلك الخط ومنهم آل النعمان إلى مراتب اجتماعية متقدمة فعبدالوهاب نعمان منحه الباب العالي العثماني لقب بيه وكان يسعى إلى رتبة “الباشا” في حين ظل الخط الحميري مقاوما وغير خاضع بل وانتزع لنفسه ما يشبه الحكم الذاتي وفق بنود صلح دعان, وحين غادر العثمانيون اليمن عام 1918م وتسلم الإمام يحيى حميد الدين السلطة في اليمن خرجت تعز في انتفاضة المقاطرة عام 1923م وخرجت تهامة في تمرد الزرانيق ومن ثم فتحت صدرها لحملة عبدالعزيز آل سعود التي قادها فيصل ووصلت الحديدة في مطالع القرن الماضي وكما هو الحال عند الغساسنة وأبناء كهلان الذين توالت الأحداث ودلت على تكاملهم مع الآخر المغاير في حين كانت أنفة حمير تأبى الهوان وترى الموت غرقا خيارا لا بد منه خوف الذل كما نجد ذلك عند يوسف ذو نواس, ومتواليات الأحداث في الخط الحميري فما نحن نجد في حاضرنا ما يماثل ماضينا وقبل تفصيل اللحظة الحضارية الجديدة نترك الأستاذ البردوني يتحدث عن فترة الخمسينيات من القرن الماضي حيث يقول:
فهل المراد بوحدة الوطن زوال أسباب الشكوى التي كان يتلعثم بها بعض شيوخ وأفراد لواء إب وتعز باعتبارهما منطقة استغلال واستنزاف للمتنفذين من شمال الشمال وبالأخص من صنعاء وشهارة وحجة وصعدة ومراكز خولان فقد كان أغلب مدراء المناطق وقضاة المحاكم والعساكر الذين يلتحقون بالقضاة أو المديرين من مناطق شمال الشمال, وقد دلت على تذمر لواء تعز وإب بعض الحركات الفوقية في آخر الثلاثينيات وبدء الأربعينيات.. إذ أظهر العصيان على إمام صنعاء الشيخ عبدالوهاب نعمان مستغلا إدراته “الحجرية” فأنفذ عليه مقام صنعاء حملة عسكرية بقيادة أمير تعز علي عبدالله الوزير وروجت الإشاعات أن عبدالوهاب عقد اتفاقا مع المندوب السامي بعدن حول انضمام الحجرية كسلطنة إلى جانب السلطنات المحمية في الشطر الجنوبي إلى أن يقول:
فهل أشارت الوحدة الوطنية إلى إعطاء المناطق الوسطى حرية اختيار ولاتها وتولية بنيها ما يستحقون من المناصب¿, هذا ممكن وممكن انطباق هذا على لواء تهامة التي تهامس فيها التذمر من حكم الجبالية في الخمسينيات وكان يتزعم هذه الدعوة وأتباعها الشيخ عبدالله عاموه الذي كان على المنطقة زعيما روحيا أعلى من الزعامات الرسمية إذ كانت داره كدار ضيافة وكمدرسة علوم وكان من علماء السنة ومعلميها في داره وكان يتوهم المقام تحريك آل سعود لعاموه لما تبدى عليه وعلى ابنه محمد من مظاهر الثراء وسخاء الكف وكانت أسباب المؤامرة قائمة في النصف الأخير من الخمسينيات إذ تقوت علاقات التعاون بين اليمن والمنظومة الاشتراكية وأراد المقام أن يدخل عصر الثورات عن طريق اعترافه بنظام كل ثورة كثورة العراق وعن طريق انضمامه للجمهورية العربية المتحدة التي كانت هدف المؤامرات النفطية وكان الثوار على علم بتلك التذمرات التهامية والتعزية بفعل انتمائهم إلى كل المناطق..إذ كان الرئيس محمد الأهنومي أحد ضباط الثورة وهو من تهامة وكان يوسف الشحاري الشاعر الثوري من ضباط الأمن الذين اشت