المخلاف السليماني.. جيزان- نجران – عسير
عبدالرحمن مراد
يشكل المخلاف السليماني “جيزان – نجران- عسير” امتدادا تاريخيا وحضاريا للدولة اليمنية القديمة ولم يكن إلحاقه بنجد والحجاز في نهم التوسع للملك عبدالعزيز إلا نكاية بالحكومة الوطنية التي تسلمت السلطة في صنعاء من العثمانيين سنة 1918م بقيادة الإمام يحيى حميد الدين.
لقد كان الملك عبدالعزيز يدا لبريطانيا في شبه الجزيرة العربية وهذا أمر أصبح من البديهيات بعد أن تدفقت كل تلك السيول من الوثائق وتواترت الأحداث والمذكرات والرواة وقال المؤرخون العرب والأجانب قولهم في العلاقة بين نشأة المملكة العربية السعودية وبين المستعمر البريطاني لذلك فعلاقة التلازم بين المستعمر البريطاني قديما وبريطانيا حديثا وبين المملكة السعودية هي في جوهرها علاقة وجود وقد رأينا اليوم كيف تداعوا إلى عدن وخرج قائلهم ليقول لقد تأخرنا كثيرا عن المشاركة الفعلية في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن ومثل ذلك التداعي يستدعي ما يماثله تاريخيا فحين شعرت بريطانيا في مطالع القرن العشرين بالقلق الوجودي والأمني من تشكيل حكومة وطنية في صنعاء وكانت ترى أن حالة الاستقرار أصبحت في مرمى التهديد من خلال المؤشرات والرموز التي تبعثها الأحداث في شبوة وفي الضالع وهي مؤشرات ذات قيمة خاصة بعد تحالف مشائخ من مأرب مع مشايخ من شبوة وعلى رأس اولئك الشيخ القردعي بهدف محاربة الغازي الأجنبي ولم يسع بريطانيا سوى الايعاز إلى حليفها واستثمار نهم توسعه في الخارطة فأغدقت بريطانيا على النجدي الطموح عبدالعزيز الأموال ودعمته بالسلاح فقاد حملة توسعية وصلت طلائعها مدينة الحديدة في ثلاثينيات القرن العشرين بقيادة فيصل بن عبدالعزيز ثم كان جنوح الإمام إلى السلم إدراكا منه للمؤامرة التي ينسجها المستعمر البريطاني وكانت اتفاقية الطائف تحمل بعدين مهمين ومزدوجين بعد إشباع نهم التوسع لعبدالعزيز وبعد الاعتراف باليمنية الحضارية والثقافية والسياسية للمخلاف السليماني.
أدرك الإمام حينها أنه واقع بين فكي بريطانيا يدها وهو عبدالعزيز آل سعود من الشمال وهي من الجنوب لذلك سارعت بريطانيا في خضم كل الأحداث إلى بسط هيمنتها على جزيرة كمران وتأمين نفسها من جبهة الضالع وكسر شوكة التحالف القبلي بين مأرب وشبوة من خلال ممارسة الضغوط المباشرة وغير المباشرة على الحكومة الناشئة في صنعاء وهي حكومة لم تكن مستقرة من خلال الاشتغال البريطاني المباشر الذي دعم انتفاضة المقاطرة والزرانيق وغير المباشر الذي دعم مبخوت الأحمر عن طريق عبدالعزيز فكانت القلاقل في كل اليمن في تعز وفي حجة وفي تهامة وفي الحدود وفي تمرد القبائل في وسط اليمن “التي قاد عبدالله الوزير حملات عسكرية متكررة لاخضاعها ولم يكن عبدالعزيز بمنأى عن جل الأحداث التي حدثت في النصف الأول من القرن العشرين فقد كان اليد الطولى لبريطانيا ترمي به خصومها إذا ما شعرت بتهديد أو برغبة في تحقيق مصلحة سياسية أو اقتصادية.
ومنذ التوافق اليمني السعودي على بسط الهيمنة السعودية على المخلاف السليماني في 1934م ظل هاجس الخوف من هذا الإقليم يقض مضجع آل سعود فهم يدركون أن نهاية ملكهم ستكون من هذا الاقليم وهي قادمة لا محالة في أي يوم من أيام الزمان وإن طال الأمد بهم لذلك ظل أبناء هذا الإقليم في حالة إقصاء متعمدة ولم تصل إليهم مشاريع التنمية الحقيقية إلا بعد ترسيم الحدود في مطلع الألفية الجديدة كما أن النظام السعودي لم يعمل على دمج أبناء هذا الإقليم في منظومته السياسية ولم ير فيهم إلا درعا حاميا لملكه وبعدا طيعا يفدي سيده من نوائب الدهر فهم يشكلون النسبة الكبرى من الحرس الوطني ومن الجهاز الأمني والعسكري ولا تكاد تجدهم في الجهاز المدني وإن وجدتهم فهم زوائد وظيفية لا قيمة لهم ولا يمكن الركون عليها في تفاعلاتهم وفي مقترحاتهم ومثل ذلك أصبح ملموسا وشواهده كثيرة وقد تعززت قناعتي به من خلال نقاشي مع الكثير من المثقفين والإعلاميين في اليمن ممن كانت لهم علاقات متعددة المستويات مع البعثات الدبلوماسية السعودية في اليمن وزاد من قناعتي ما نشره موقع ويكليكس الذي فضح آلية النظام وأسلوب تعامله مع موظفيه ومع من حوله.
وقد يدرك القارئ الحصيف لمجريات الحدث أنه منذ بدء العدوان على اليمن برز في الوسائط الإعلامية اللاهوتيه السعودية خطاب معاد لسكان الإقليم السليماني “نجران – عسير – جيزان” ومعاد للمنطقة الشرقية وقد رأينا أثر مثل ذلك الخطاب كيف كانت نتائجه في القطيف وكيف كانت نتائجه على مساجد نجران ولعل تفجير مسجد قوات الطوارئ في عسير مؤشر خطير على توجه المؤسسة الراديكالية اللاهوتية السعودية إلى المؤسسة الأمنية والعسكرية في المملكة يتم على الهوية الجغرافية والثقافية ولم يكن استهدافا للوظيفة الأمنية مطلقا بدليل أن التفجيرات في الرياض كانت محدودة الأهداف للقيام بمهام مزدوجة ولم نسمع بمسجد في الرياض تم