لحظة يازمن…لوحة شجن
وابن علوان مغرق الفيل بالصفا رأس النقيل ” وابن علوان فك لي القيد خلني شأمشي رويد”.
مقاطع شعبية كان يترنم بها الناس رجالا ونساء.. في عصارى شهر ” آب” على الأسوام والشواجب يكون المشهد غيما يظلل السماء قبل الغروب يكون المطر قد هطل وجرت مياهه الغبراء في الأعبار وارتوت التليم وشربت تخرج المرأة حاملة الأجب المدورة من جريد النخيل على يدها اليمنى وفي اليسرى تتلامع أسنان الشريم الجندي في ذلك اللون الغامق الذي تتحد فيه بهجة القلب الإنساني مع بهجة الأرض والسبولة تتأود نشوة يتداخل الإحساس للمشهد بكامله فينطلق الصوت ملحنا دافئا يستجيب لروحية اللحظة متشربا بتلقائية عجيبة دفقة صوفية ووصول وحضور (وابن علوان والبحر بحرك والسعيد من جاورك) وأنت منجذب في لحظة السماع والصوت آتيا من الدغل الكثيف للقروط الخضر والمشهد يحيط بك فينتابك حينها وجد غريب يهز الوجدان (هم الذين أمطرت عليهم سحاب الأشجان وأنصبوا الركب والأبدان وتسربلوا الخوف والأحزان , وشربوا بكاس اليقين , ورضوا أنفسهم رياضة الموقنين , فكان قرة أعينهم فيما قل وزجا , وبلغ وكفى , وستر ووارى .
“ذوالنون المصري “
كان ذاك المشهد الذي يتوالى مع ترنيمته الروحية والصوفية يعكس جلالا يأخذ القلب بعفوية صافية ونقية إلى فضاءات اليقين تؤكده وتعمقه في مسارب النفس الداخلية عناصر تتحد في الكون والضوء غبرة الأرض المبتهجة برطوبة المطر والزراعي المرتوي .. ومازالت أعلافه المنبسطة اخضرارا تنقط من حوافها بقايا نقط المطر.
ذلك المشهد .. وهو يتناوب بترنيمته الإنسانية في تتابع الزمن سنويا في شهر “آب” مع تتابع المواسم .. كان القلب الإنساني يتطهر ويتسامى في تلك اللحظات وهو مندمج ومتناغم مع ما حوله من تراب , وزرع , وزرب يجدل حول أشواكه اليابسات غزل من الحبال المفتولة حشيشا أخضر …
وتلتفت الآن , والأجب الجميل قد رحل , وحلت بديله جونية من البلاستيك الملعون ,امرأة تنتع رجلها غضبا من سوم الحول , بوجه غاضب .. لأن التمثيلية التلفزيونية ستفوتها .. الأصوات لا شجن ..لا وجد لا فرع .. تبقى الطبيعة وحيدة تترنم صافية وحزينة ببقايا لوحاتها الصامتة .