الثـــــــورة ومشــــــوار التغـــــيير
” عندما يعجز الحاضر عند التقدم إلى الأمام فإنه يرتد إلى الوراء فيصبح الماضي هو المستقبل”.
تلخص المقولة أعلاه حالة التغيير في بلدان الربيع العربي التي تعيش نكسة صادمة بعد أن بلغت الأحلام ذروتها في 2011م.
ولا شك أن اندفاع الشباب دون رؤية متكاملة قد حال حينها دون الإصغاء للتحذيرات المبكرة التي أطلقها قلة من الحكماء تجاه حالة الصخب الثوري التي اجتاحت عددا من الدول العربية محذرين من “أخونة” التغيير ومن قيام الثورات المضادة التي شكلت “الدولة العميقة” الحاضن الرئيسي لها.
ومما لا جدال فيه أن الأنظمة العربية المستبدة قد زاوجت لعقود طويلة بين السلطة والدولة حتى غدا التفكير في إزاحة رأس النظام مدخلا لانهيار الدولة ذاتها. وهذا ما يفسر أزمة التغيير التي وصلت إلى طريق مسدود أو تكاد!
يمنيا جاءت ثورة 11 فبراير وسط آمال عريضة بإمكانية تغيير النظام السياسي وبناء الدولة المدنية الحديثة واستبسل الشباب الثائر في اعتصاماتهم السلمية الحضارية ونوقشت في مخيمات وساحات التغيير مختلف الرؤى والأفكار المتعلقة بالمستقبل المنشود. وظهرت عشرات الائتلافات والمنسقيات التي عملت على التنشئة والتجنيد السياسي بانتظار ساعة الصفر الذي يعلن فيها رأس النظام السابق التخلي عن السلطة على غرار ما جرى قبلا في تونس ومصر.
طال انتظار ساعة الصفر وأطلت المبادرة الخليجية لتضع ثورة الشباب على صفيح التفاوض السياسي بين قطبي العملية السياسية حينذاك: المؤتمر الشعبي العام وتكتل اللقاء المشترك الأمر الذي أفضى إلى إقصاء الشباب المستقل وعدد من المكونات الثورية من العملية السياسية.
غير أن انقسام الجيش وبعض مؤسسات الدولة مع وضد الثورة قد أسهم بدوره في خلخلة بنية الدولة ما دفع قوى النفوذ التقليدية إلى تصدر المشهد السياسي واقتطاع حصة كبيرة من حصة المشترك في الحكومة وفي القرارات الجمهورية لصالح حميد الأحمر وعلي محسن. وانعكست التوازنات الجديدة على حكومة الوفاق التي أعلنت أن مهمتها تنحصر في تسيير شؤون الدولة خلال الفترة الانتقالية تمهيدا للانتخابات النيابية والرئاسية. وبالفعل فقد نجحت الحكومة في مهمة التسيير مسنودة بدعم محلي ودولي كبيرين.
لكن ما لم يفقهه وزراء وشيوخ المشترك أن الحذلقة السياسية والمراوغة في تنفيذ استحقاق التغيير شكلت بالتضافر مع الفساد المالي والإداري الذي طبع أداء حكومة الوفاق القاعدة التي قامت عليها الثورة الشعبية الثانية وصولا إلى 21 سبتمبر الذي وضع حدا لنفوذ القوى التقليدية ولثنائية المؤتمر والمشترك في السلطة أو المعارضة.
واليوم فإن التحدي نفسه يواجه “أنصار الله” كقوة سياسية رفعت لواء التغيير. ويتعين هنا التفريق بين عمليتي التسيير والتغيير فالأولى تقتضي إعادة ترميم مؤسسات الدولة حتى تعاود فاعليتها كما كانت عليه قبل 2011م وهذه مهمة تبدو صعبة ومعقدة في ظل المتغيرات الأمنية وتداعيات العدوان الكارثية على البلاد.
أما عملية التغيير فهي أعمق بكثير. وإذا نجح أنصار الله وحلفاؤهم في المهمة الأولى ولم ينتقلوا إلى المهمة الثانية فإن ثمة سؤالا يفرض نفسه: إذا كانت غايتنا أن نعود باليمن إلى ما قبل 2011م فلماذا إذا قامت ثورتي 11 فبراير و21 سبتمبر ¿
وحتى لا نجد أنفسنا محاصرين بلغة ذرائعية تجعل عملية تسيير أجهزة الدولة وكأنها المكسب الأكبر فلا بد من حشد الرؤى والأفكار لصياغة مشروع التغيير الشامل وآليات التنفيذ التي تضع اليمن على طريق جديد يصبح ما قبله من الماضي الذي لا نستحضره إلا للعظة والاعتبار.