إذا قتلتنا الأحقاد يحيينا حب اليمن

يتربص القتل باليمنيين كل يوم , ويحاصر حياتهم بالخوف والرعب والحزن والأسى , ويحرمهم  من الأمن والرضى والتفاؤل والأمل , فيحيون في كمد ويعيشون ضنكا لا مفر لهم منه ولا بديل له في صحوهم والمنام , لا يستطيعون منه فكاكا , ولا يرومون له بديلا.
يقتلنا الانتماء إلى الجغرافيا بين شمال وجنوب, يقتلنا الإيمان بالدين بين مواطنين وقاعدة , وبين مشايخ وسادة , وبين الأنصار والإخوان وبين سلفيي السنة وزيود الشيعة , وبين عسكر ومدنيين , ويقتلنا الانتماء إلى القبلية وثاراتها , ويقتلنا الولاء الحزبي وحساباته , ويقتلنا الغيث والجفاف , كما تفتك بنا الصحة والمرض , كأن حياتنا ولدت للقتل وتبقى ليبقى.
وليس فيما مضى شطط من قول السفيه أو مبالغة من قول المرجفين فالقتل هو الحضور اليومي الثابت والمتزايد في الحياة اليمنية , والقتل هو اللغة التي نخاطب به بعضنا , ونعدها لأنفسنا توهما للخصومة  أو اختلاقا للعداوة بأسماء تشتت بها وجودنا على الأرض وتاريخها , فلم يعد بنا في الأرض يمنا ,ولا لنا في اليمن وطنا وشعبا كنا به وكان لنا.
كل اليمنيين هدف للقتل , الجنود الذين يحرسون الحدود , والجنود الذين يتدربون استعدادا للعروض , والجنود الذين يخدمون المرضى , والمرضى الذين يستشفون في مجمع الدفاع , والأطباء الذين يعالجون اليمنيين , واليمنيون الذين يتظاهرون , والذين لا يتظاهرون , والذين يحرسون الشيخ , أو يتبعون السيد يقتلون دفاعا أو هجوما , فالكل قتلى والكل طلاب الموت والذين يقبلون بالعدوان يقتلون والذين يرفضون العدوان يقتلون .
ولأننا القتلة والقتلى , ولأننا القاتل والضحية , المحرض والفاعل , فلا أحد سوانا معني بحفظ النفس وحقن الدم ونبذ الحقد , وحفظ الحياة والتفرغ لها بما تستحقه منا من تقديس وتكريم وإجلال , بدلا من هذا الإصرار على أثبات المقاتلين وجودهم وقوتهم على الجثث والأشلاء وفي الخرائب والأطلال .
يتوقف القتل حين يحب كل يمني نفسه ويحب حياته ويحب لها ما تستحق من عيش كريم ورغيد , وحب النفس يجنبها الذل ويقيها القتل , وحين يتحرك هذا الحب في محيط حياتها فإنه سوف يبعث فيما حوله حبا للحياة وكراهية للأحقاد التي إن لم تقتلنا أجسادا , فإنها تبقي هذه الأجساد مغلولة بالقتل ومشدودة إلى القتل ترقبا له , وثأرا عليه , وخوفا منه , وهكذا لا يبقى في حياتنا مع القتل إلا القتل , بينما يحيينا الحب ويحيا بنا ولنا كل حياة نستحقها وكل استحقاق نحياه أمنا وسلاما ’ في وطن الحياة وبين شعبها الذي يصنع الحياة بالحب إذا قتلتنا الأحقاد.
albadeel.c@gmail.com

قد يعجبك ايضا