ما بعد العدوان

أظهر العدوان السعودي على اليمن وجها آخر للأزمة الوطنية متمثلا في البعد الخارجي بما يعنيه أساسا من نفوذ سعودي ووصاية أمريكية على السيادة الوطنية والقرار السياسي, وفي هذا البعد يتجلى دور الأدوات المحلية في إعاقة تقدم المشروع الوطني وصناعة الانفراج الشامل.
لهذا لم تعد الأزمة الوطنية مجرد تعقيدات الصراع العنيف على السلطة, بل أصبحت مع العدوان وبعده, أزمة استقلال وطني بالقرار السياسي, بصورة تضع العلاقة بين اليمن وجواره على مسار التكامل أو المصالح المتبادلة دون وصاية الأغنى أو تبعية الفقير.
ليست العلاقة مع السعودية وحدها من تغير بالعدوان العسكري وبنتائجه القريبة والبعيدة. بل إن الانتماء الوطني أصبح عنصرا متغيرا بهذا العدوان, وبما يعيد صياغة الأسس السياسية لهذا الانتماء من حيث علاقته بالخارج وبمرجعيات عروبية أو دينية, لبيان ما هو مشروع وما هو غير مشروع من العلاقة بين الوطني والقومي في ظل الدولة القطرية, وحتى لا تصبح الخيانة الوطنية مجرد وجهة نظر أو خداع بالعلاقة المكتسبة بين حدود الوطن و الادعاء القومي والديني.
غير أن جوهر الأزمة هنا, قبل العدوان السعودي الآثم وبعده, مرتبط إلى حد بعيد بإعادة صياغة الأزمة الوطنية, وإعادة تعريف طبيعتها والتعرف على مداخل تجاوزها إلى انفراج ممكن ومحتمل, ونعني بذلك تحديدا, التكرار الممل في الحديث عن مرجعيات سقطت بالجملة وتحديدا المرجعيات المسماة بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني, وحتى اتفاق السلم والشراكة, فالذي تغير بالعدوان السعودي هو جوهر الأزمة بما هي في الأساس شأن وطني متصل بقوى التأزم وقوى الانفراج, فالعلاقات بين القوى السياسية تهشمت بهذا العدوان بانقسامها بين مؤيد للمعتدي ورافض لهذا العدوان وللمبررات والنتائج.
إذا, فالأزمة الوطنية بعد العدوان السعودي الغاشم, تقف على أساس جديد من الرؤية الواضحة أولا لما هو وطني في أساسها وثانيا لما هو خارجي في كل مساراتها, وذلك يعني ابتداء الوقوف على أرضية جديدة, والتخلص من أدران وأثقال التدخل الخارجي, وتحديدا الوصاية السعودية على الشأن الوطني, لكي يصبح بمقدور القوى الوطنية لملمة الشتات الكبير بين الداخل والخارج, ومن ثم الانطلاق لتأسيس عملية سياسية تنطلق من الذات وتعود إليها تشخيصا للأزمة الشاملة ومعالجاتها المتاحة .
وإجمالا, فإن كل ما يقال الآن عن مرجعيات ما قبل العدوان يصبح لغوا غير مقبول ولا معقول ولا مبرر بأي منطق سياسي فلقد انهار مع العدوان وبه كل ما كان قبله حتى الأرض التي ألقى العدوان بكل قنابله وقذائفه فيها, وصار واضحا أن الأزمة تبدأ فينا وبنا من أساس وطني يعيد للمواطنة حقها المغتصب بالوصاية أولا وبالعدوان أخيرا, وحين تتفجر على الأرض قذائف العدوان فإن التفجر في الأنفس يصبح مواطنة تبحث عن وجودها وحقيقتها في الثقافة قبل السياسة, ولهذا مقام في مقال آخر.

قد يعجبك ايضا