لحظة يا زمان .. الشوارع العتيقة
انطفأت ذبالة القلب ولم تعد تشتعل أطفاتها ريح الزمن ولم يبق في السراج سوى الذحل والسابلة التي تطايرت بفعل الهواء.
وهو يجول في شوارع المدينة لايدري كيف انبثق من داخله فجأة الحنين إلى الشوارع العتيقة في المدينة القديمة التي أتاها يافعا.. وكان السور الحجري والترابي يسورها من جميع جهاتها وظلت الأبواب الخشبية الفخمة – محفورة في الذاكرة لمنافذها الأربعة.
أخذته خطاه إلى تلك الشوارع وظل يتلفت في كل الاتجاهات لا زالت بعض الأبنية القديمة كما هي وإن غطست ملامحها وكأنها لم تعد ترى .. في التغير والجديد الطارئ.
تقلبت أوراق ذاكرته ورقة ورقة وقد تأكلت أطرافها وكأن الذاكرة وأوراقها بالفعل قد انمحت كتابتها وطمست وحاول أن يغوض في أعماق ذاكرته ليستعيد تلك المشاهد القديمة .. على الأقل التفاصيل البارزة لكنها الذاكرة ذاكرته قد أصابها ما أصاب تلك الشوارع العتيقة.. فلا ضير أن يكون الاثنان الذاكرة والمكان متوازيين في ما جرى عليهما من تغيرات عشوائية ومزاجية ومرتجلة.
وهو يتلفت يستدعي ذاكرته .. كان المكان الشارع.. الشوارع.. أيضا قد فقدت الكثير من ملامحها المميزة لا روائح كما كانت في ذلك الزمن توقظ الحواس وتثيرها.. ترك الشارع الأول والتفت خطواته نحو الشارع الذي يليه.. الجديد.. تلك الاحجار المرصوفة تحت خطواته ضيق الفضاءات على جوانبه والتي لم تعد تسمح بفسحة للقدم وهو يخطو. والوجوه تغيرت وذلك أمر طبيعي.. والناس كل الناس كل مشغول بأمره يتابع الحياة والأمر سواء إن ظلت.. تلك الشوارع عتيقة إن ظلت لها ملامحها المميزة .. أو تبدلت بفعل عواصف وزوابع العولمة .. فالأمر سيان وأي حنين.. أو شوق.. ما هو إلا نوع.. من “النوستالجيا” مرض الحنين.