يفرس
محمد المساح
يفرس اقتربي.. شرب الرمل ماء الخيول ولم يبق سيدتي من حليب ولا ماء.. عطشانة في الطريق.. أباريقنا والحصى ظامئ عند مجرى الينابيع.. شاحبة مثل لون الغروب.. أحاديثنا لم يعد رعدنا يتكلم.. جفت ضروع السماء “في الطريق إلى يفرس من ديوان أبجدية الروح دـ عبدالعزيز المقالح”.
سيظل وظل طوال العمر يحمل ابن علوان تعويذة في أعماق الروح.. شرب من بركته المبروكة وهو في الثامنة من العمر خمس قطرات نطفها خاله في لقفه من الزمزمية النحاسية المغلفة بالشليته وقال له:
إياك أن تقول لأحد.
كانت الزمزمية مليئة بالماء من بركة ابن علوان تسقيه ..ابتعثت القرية فيها الخال للذهاب إلى يفرس والعودة بها..
ليرش الماء فوق جسد الثور التضحية للاستسقاء جمب “ضريح عبدالعزيز الولي” في بريدات” التي شهدت ساحتها انكسار الأتراك في غزوتهم الثانية لليمن.
من حينها وابن علوان ويفرس تنام ظلالهما في جدار الروح المسافر دوما من القرية إلى المدينة.. والعكس كلما هبطت السيارة آخر نجد قسيم اختضل القلب وقال له:
ها هي يفرس على يدك اليمين.. إهبط في مفرق “السواء” والتف على بعد خطوة على سفح جبل حبشي تكون في حضرة ابن علوان يقول له قلبه:
دوما والوقت لم يأت بعد.. يعود من قريته وتتجلى مئذنة المسجد أمام البصر والسيارة تهبط المنحنى النازل من نجد النشمة عند مفرق البيرين فيتحرك القلب شوقا يقول له:
هاك ألا ترى يفرس¿
يفرس أنشودة العمر في القلب.. وأمنية النفس.. لكن “اللقمة” ملعونة تشده من ياقة القميص بيد متوحشة ويستسلم لجبروتها.
تصعد السيارة “نجد قسيم” وعلى اليسار خلف الهضبة تتوحد يفرس.. ودمعة تنزل من العين يمسحها بظاهر الكف ويقول لنفسه:
سآتي إليك يوما ياصاحبي.. وسكين الزمن شفرتها حادة ولا زال القلب الملعون يتطهر.. وهو كالحانب دخل دنيا غير الدنيا التي حلم بها.
لكن وإرادة الله الأعظم يؤكد أنه سيكون يوما عند “الباهوت” وسيصرخ على عتبته:
يا الله ويا ابن علوان
يفرس!
هناك في لفة الجبل يرغب من الأعماق أن يصل إليها.
هي على جانب الطريق لكنها بعيدة.. بعيدة عن روحه.. ربما يصل إليها يوما.
حكم قصيرة
إن المعرفة تثقل والحكمة تحزن أما الحقيقة فلا علاقة لها بالمعرفة.. والحكمة أنها خلفهما ..
إن بعض يقيننا يقف خلف مملكة البراهين.
“هنري ميلر – شيطان في الجنة”
يظهر الجمال الخاطف كل لحظة في صورة فيحمل القلب ويختفي.
“جلال الدين الرومي”
يقول الهندوس:
إذا أراد الله أن يختفي فسيختار الإنسان مخبأ.