شخصية روائية


قلائل هم أولئك الذين لديهم أدنى اهتمام بالقراءة والثقافة ولم يسمعوا بـ”غادة الكاميليا”. تلك الشخصية الروائية التي غدت حاضرة في الأذهان حسب الصورة التي رسمها كل الذين تخيلوها في عصرهم أو في عصر سابق لهم. وهي بذلك مثل شخوص روائية أخرى اكتسبت قيمة في الواقع وليس أقلها: شخصية سكارليت اوهارا في عمل مرغريت ميتشل الشهير “ذهب مع الريح”.
لكن “غادة الكاميليا” لم تكن مجرد إبداع روائي بل هي شخصية حقيقية اسمها “ماري دوبليسيس” والكاتبة الصحافية جولي كافاناغ تكرس كتابا كاملا للحديث عن “حياة وأسطورة الفتاة التي كانت تحب الكاميليا ـ غادة الكاميليا” وهو ما يعني :”حياة وأسطورة ماري دوبليسيس” كما جاء في بقية عنوان الكتاب.
تشير جولي كافاناغ في البداية الى أن “غادة الكاميليا” أخذت تسميات أخرى. إذ غدت “مرغريت غوتييه” في الأدب التي تعرف عليها القراء في جميع أنحاء العالم في رواية الكسندر دوما الابن: “غادة الكاميليا”. إذ كان المؤلف أحد الرجال الذين أحبتهم ماري دوبليسيس في الواقع.
وأخذت تسمية “ترافياتا” في الأوبرا.. و”مرغريت” في رقص البالية.. و”كاميليا” في السينما. أما في الحقيقة فعرفت بـ”الفونسين بليسيس” في البداية وهو الاسم الذي حملته عند ولادتها في منطقة النورماندي الفرنسية. ثم “ماري دوبليسيس” اسمها الذي لازمها طيلة حياتها منذ أن بدأت عملها كبائعة في أحد متاجر بيع الألبسة الجاهزة في باريس قبل أن تصبح إحدى غانيات العاصمة الفرنسية.
وبحكم تعرفها على عدد من الرجال ذوي المناصب العليا في السلك الوظيفي وعلى الصعيد الاجتماعي انكبت على تعلم القراءة والكتابة كي تصبح على دراية بما يجري في العالم. وبالتالي تجد “مادة للحديث” مع النخب التي أصبحت من معارفها. ولم تتردد في الموقع الذي أصبحت فيه في إضافة أداة التعريف “دو” قبل اسمها كي تصبح “ماري دو بليسيس” على غرار أبناء النبلاء الفرنسيين.
وتشير جولي كافاناغ الى أنه في عام 1947 عندما كانت ماري دوبليسيس في الثالثة والعشرين من عمرها أحست أن رحيلها عن الدنيا اقترب. فقالت لابنتها ما مفاده: “انتابني دائما الإحساس أنني سأعود إلى الحياة من جديد”. وبعد أيام قليلة من بوحها بذلك الإحساس فارقت الحياة فعلا.
ذلك الإحساس غدا واقعا ملموسا و”عادت” لتحتل مكانة استثنائية من خلال العمل الروائي الذي قدمها فيه الكسندر دوماس الابن في ملامح الشخصية الرئيسية: “مرغريت غوتييه” في عمله الشهير “غادة الكاميليا”.
وتلفت المؤلفة الى أنه خلف تلك “الأسطورة الجميلة” كانت تكمن حقيقة تثير النفور.. ومناقضة تماما للصورة الشعرية التي رسمها المعجبون بغادة الكاميليا لـ”بطلتهم”. ذلك أن صاحبتها كانت تحمل نزعة نفعية كبيرة لا يهمها من الإنسان سوى ما يمكن أن تجني منه من مكاسب.
وتضع مؤلفة الكتاب شخصية ماري دوبليسيس في سياق الحقبة التي عاشت فيها في فرنسا خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر. ونقرأ في توصيفها لتلك الحقبة: ” حقبة ساد فيها طالبو الثروة في عالم يسمح فيه كل فرد لنفسه بفعل ما يريد وحيث كانت تنتشر التفاهة والبحث عن المتع العابرة”.
 
المؤلفة في سطور
تخرجت جولي كافاناغ من المدرسة الملكية البريطانية لرقص الباليه ثم تحولت بعد جرح عارض أصابها إلى الصحافة. فعملت مع مجلة “فوغ” وصحيفة “النيويوركر” وغيرهما. وعملت كذلك في مجال النشر. لاقى كتابها الأول: “سيرة حياة ادولف نورييف” أحد أشهر راقصي الباليه في تاريخ هذا الفن نجاحا كبيرا لدى القراء والنقاد.
 
 الكتاب: غادة الكاميليا.. حياة وأسطورة ماري دوبليسيس- تأليف: جولي كافاناغ – الناشر: كنوبف- نيويورك 2013 – الصفحات: 304 صفحات -القطع: المتوسط.

قد يعجبك ايضا