تصحيح إدارة البلاد
جميل مفرح
ما إن تتحدث عن إمكانيات إجراء الإصلاحات في أجهزة الدولة حتى تنبري الأصوات المخالفة إما ساخرة غير مصدقة أو مستهترة غير مؤمنة بالجدوى وهنا باعتقادي قد يكون أحد أهم الأسباب الرئيسية في الحد من محاولات التصحيح التي تعتزم الدولة إجراءها بين كل مرحلة وأخرى.. وهذا بالتالي ما يقودنا إلى التفكير بضرورة تكريس ضرورة الإصلاح والتصحيح كثقافة شعبية عامة لا تنطلق من المركز المتمثل في النظام أو الدولة فحسب وإنما لتكون سائدا مطلقا وسلوكا عاما بين أفراد المجتمع وفي بيناته وصفوفه من يقفون أو يكمنون في أجهزة الدولة باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من المكون العام للمجتمع فهم في الأول والأخير أفراد من أفراده تؤثر فيهم ثقافته العامة وتقودهم وتوجههم املاءاته ومحدداته.
وحين نضع خرائط أو خططا لإجراء أية اصلاحات وتصحيحات سرعان ما تتبادر وتزدحم العوائق والعراقيل الناتجة عن استهتار مرعب تجاه كل من يحاول أن يكرس أو يقترح نماذج إصلاحية وتصحيحية فلم يعد ثمة من يؤمن بإمكانية تحقيق تغيير إيجابي مثل هذا وذلك نتيجة لاستخدام النظام أو الدولة لفكرة الإصلاح كمجرد عاية سياسية محضة لا مشاريع حقيقية تقف وراءها وتنظمها وتسعى فعليا لتحقيقها وتجسيدها كواقع ملموس لا شكوك حوله.
فمن مرحلة لأخرى تشخص لنا فكرة الإصلاح والتصحيح كطعم استقطابي لجماهير الشعب وكبرامج مغرية لتحقيق مكاسب سياسية وصولية لا أكثر من ذلك!!
والمتأمل للواقع عن كثب وباهتمام فعلي ممعن يجد أن إمكانية التصحيح والإصلاح متوفرة وكائنة إذا ما وجدت النية الفعلية لإنقاذ الوطن مما هو فيه من واقع ينذر من لحظة لأخرى بانهيار شكل الدولة وتداعي أركانها إذا ما استمر الحال كما هو عليه الآن واستمرت الآفات الخطيرة التي تغش جسد الوطن وتفسد أعضاءه كالفساد وسوء الإدارة والظلم والرشوات والتغاضي عن المسيئين الذين يقفون وراء تغشي واتساع مثل تلك الآفات القاتلة والمدمرة فالفساد والتسيب وسوء الإدارة مخاطر السكوت عنها بمثابة الاستسلام للأمراض الفاتكة التي تعجل بأجل أية دولة وأيا كانت مكانتها وثرواتها ومقدراتها.
وفي هذا المفصل وهذه المتغيرات التي يشهدها الوطن في الوقت الراهن تتوفر فرصة حقيقية لإعادة النظر في بناء وتسيير الدولة واستدراكها من نقطة الانهيار التي ستكون أقرب من المتخيل لو استمرت أوضاع البلاد كما هي واستمر أداء الدولة على الشكل الذي وصل بها إلى هذا الحد المخيف والمخيف جدا.. نعم إن علينا في هذه المرحلة أن نضع أنفسنا في مكان المسئولية وفي نفس الوقت في مكان الضحية أيضا فنحن بأي حال من الأحوال هدف كل أداء جيدا كان أو سلبيا ونحن أيضا من يقف وراء تكريسه وتجسيده على أرض الواقع أي أن المسئولية أولا وأخيرا مسئولية عامة.
عموما أن ما يجب أن نتبناه في هذه اللحظة الراهنة هو الدعوة إلى التعامل مع دعوات ومشاريع الإصلاح والتصحيح بجدية أكثر فاعلية وعدم اعتبارها مجرد نزوة أو مادة دعائية لتحقيق مكسب سياسي أو كمجرد عملية إطفاء وإسكات لحاجات ومطالب الشعب الذي بات لا يؤمن بمثل تلك الدعوات والدعاوى يجب على الدولة تكريس تلك الدعوات ودعمها بالتصرف الفعلي أو بإجراء الإصلاحات والتصحيحات الضرورية قبل استخدامها كمادة دعائية لهذا الطرف السياسي أو ذاك.. ما يريده المواطن اليوم هو أن يلمس مظاهر حقيقية للتخلص من الآفات المدمرة التي تتسع من يوم لآخر في بدن الوطن… وأن تكون مصلحته والمصلحة العامة للوطن الهدف الأول والأخير الذي تعمل الدولة على النجاح في تحقيقه وتجسيده.
في الأخير إن الدعوة إلى الإصلاح ستكون لا جدوى منها إن لم يكن هناك توجه حقيقي لتدارك الأوضاع بدءا من تجويد الإدارة في كل مفاصل الدولة وأجهزتها والتخلص مما تعانيه من تسيب ولا مبالاة ومن فساد يستهلك المقدرات ويعطل التنمية وينذر بذلك الانهيار الذي حذرنا ونحذر من وقوعه وبالتالي وقوع الدولة وإشاعة المزيد من الفوضى القاتلة.. وبالتالي فإن من مسئولية الدولة اليوم تفعيل آلية التصحيح والإصلاح من مراكزها الأساسية ومؤسساتها الفاعلة والمؤثرة في قيادة وحكم البلاد.