الإعلام الرسمي
حسن الوريث

مقالة
شهدت مؤسسات الإعلام الرسمي في بلادنا ومازالت تشهد تدهورا متسارعا على مختلف الصعد المهنية والمالية والإدارية وأحيانا القيمية إلى درجة مخيفة تجعل من المتابع لهذا الإعلام في حيرة من أمره حول دوره المفترض في التعبير بمهنية ومسؤولية وطنية لإيصال رسالة الوطن وتجسيد القيم الأصلية للمجتمع اليمني وحماية النسيج الاجتماعي والحفاظ على الوحدة الوطنية.
أعتقد ومعي الكثيرون أن دور الإعلام الرسمي غاب تماما ونهائيا, وأصبح مفككا يعمل دون رؤية أو استراتيجية واضحة, فكل وسيلة من وسائل الإعلام الرسمية تعمل لنفسها وبنفسها بعيدا عن الأخرى وبمزاجية مسئوليها, وبعضها يتحكم فيها شخص واحد هو الآمر الناهي الذي يسيرها وفق أهوائه وأهواء من يقف وراءه سواء كانت جهة أو حزب أو جماعة أو شخصا نافذا .
وبلا شك أننا كإعلاميين في وسائل الإعلام الرسمية أصبحنا في حيرة من أمرنا وغابت عنا أمور كثيرة أهمهما معرفة هل هناك من يدير مؤسساتنا الإعلامية في الخفاء ¿ ولمصلحة من¿ ولماذا هذا الضياع¿ وهل لوزارة الإعلام دور فيه¿ أم أن الحكومة تريد ذلك¿ وغيرها من التساؤلات التي نقف في حيرة أمامها نحن فما بالك بالمواطن البعيد.
لقد كنت في زيارة لمجمع القنوات الرسمية “اليمن وسبأ والإيمان” خلال الأيام الماضية أكثر من مرة ووجدت أن كافة العاملين في هذه القنوات يعملون في ظروف غاية في الصعوبة بل ويحاولون الاجتهاد لتقديم ما عندهم, ومن وجهة نظري أنهم يستحقون كل التقدير والاحترام والإشادة بما يقومون به, وصدقوني لقد رثيت لحالهم وهم يحاولون ويعملون في تلك الظروف وفي ظل غياب الإمكانيات الحقيقية والضرورية للعمل وأبسطها لكنهم أيضا كغيرهم من موظفي مؤسسات الإعلام الرسمي الأخرى يعملون بدون رؤية أو سياسة إعلامية.
لقد مر على هذه المؤسسات الإعلامية مسؤولون ومدراء لكنهم ذهبوا مثلما جاؤوا لم يقدموا ولم يؤخروا, كما مر على وزارة الإعلام وزراء ومسئولون لم يكلفوا أنفسهم القيام بواجباتهم ومسؤولياتهم في تحسين وتطوير أداء المؤسسات الإعلامية وكل منهم يعتقد أن مسؤوليته فقط تنحصر في حضور الفعاليات الرسمية واجتماعات مجلس الوزراء والظهور في القنوات والصحف وكتابة الأعمدة في الصحف الرسمية كيفما كان مضمونها المهم أنها للوزير أو النائب أو الوكيل أو المدير العام أما العمل لانتشال المؤسسات الإعلامية من أوضاعها المزرية إلى واقع أفضل لتقوم بدورها المناط بها في خدمة المجتمع فاعتقد أنه ليس موجودا في أجندتهم بتاتا.
وفي اعتقادي أن غياب الإعلام الرسمي بكافة وسائله أسهم بشكل كبير في ما نشاهده الآن من تفشي مظاهر العنف والتطرف, والإرهاب وإثارة الفتن والقلاقل وانتشار ثقافة الكراهية والتعصب, كما تسبب هذا الغياب في الفوضى الإعلامية الحاصلة في البلاد والتي وصلت إلى حد أصبح فيه المشهد الإعلامي اليمني سوداويا مظلما قاتما يحتاج إلى من ينقذه مما هو فيه عبر استراتيجية تنطلق من الالتزام بالحريات الإعلامية والقيم المهنية والأخلاقية للعمل الإعلامي وتطوير الخطاب الإعلامي للدولة وتطوير مهنية أداء وسائل الإعلام وتحسين جودة المحتوى للإعلام
الرسمي وأخيرا : هل يمكن أن تنظر الدولة والحكومة إلى هذا القطاع بعين المسئولية الوطنية من خلال تعيين مسؤولين أكفاء يعرفون مكامن الخلل فيه وأساليب العلاج لإنقاذ الإعلام الرسمي مما يعانيه ووضع استراتيجية إعلامية وطنية لتطوير عمل الإعلام الرسمي ليكون إعلاما فاعلا منافسا ومؤثرا يستطيع خدمة المواطن وحمل رسالة الوطن تبدأ من إصلاحö المؤسساتö الإعلاميةö الرسميةö والارتقاء بالخطاب والأداء الإعلامي الرسمي وكذا إجراء مراجعة شاملة للتشريعات الإعلامية لتستوعب التطورات الهائلة التي شهدها قطاع الإعلام بشكل عام, أم أن الإعلام سيظل غائبا عن أجندة الدولة والحكومة ¿ وإذا ظل كذلك فلا شك أن البديل سيكون أسوأ مما تتوقعون.