حضور المشاريع الصغيرة وتغييب المشروع الوطني
أحمد الزبيري
الحيرة والضبابية التي جعلت الكثير من اليمنيين أو من المهتمين بالشأن اليمني بعضها قد تكون محقة وبعضها الآخر يعود لأسباب ترتبط بأجندة لقوة داخلية وخارجية تنظر إلى ما يجري من منظار تعارضه مع مصالحها وبالتالي أهوائها ورغباتها وتمنياتها أو مخالف لمخططاتها دون أن يعني هذا إنكارا لوجود غموض ليس فقط في المشهد اليمني بل والإقليمي والدولي الذي يرجع أيضا إلى نفس الأسباب التي أشرنا إليها آنفا ولا يختلف الأمر مع ما يجري في سوريا والعراق وليبيا ومصر وحتى تونس مع الأخر في الاعتبار أن لكل بلد مسارها السياسي التاريخي وموقعها الجيوسياسي وخصوصية تكوينها الاجتماعي القبلي والعشائري والمذهبي والطائفي والعرقي وكل هذا يميز ويحدد كيفية التعاطي مع هذا البلد أو ذاك سلبا وإيجابا حسب مقتضيات مصالح الأطراف الداخلية والخارجية اللاعبة في هذا البلد أو ذاك إما باتجاه الأمن والاستقرار وتحقيق قدر من التنمية أو تأجيج نار الصراعات والحروب والإرهاب وإشاعة الفساد وتعميم الفوضى المسيطر عليها أو تلك المنفلتة التي خرجت عن السيطرة وهذا على ما يبدو هو الفارق المقصود من الفوضى خلاقة وغير خلاقة.
بالنسبة لليمن أعتقد ومعي الكثيرون أن الموقع الجيوسياسي هو صاحب الدور الرئيسي المانع من الانزلاق نحو الأسواء الذي نراه في بعض الدول العربية حتى الآن رغم أنه كان ومازال المرشح للصدام العنيف والمدمر منذ أمد بعيد إذا أخذنا أوضاعه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتخلفة والفاسدة المنتجة للفقر والبطالة بما تشكله من بيئة خصبة لتنامي ظاهرة التطرف والإرهاب وهذا موجود ولكن إلى حد كبير مسيطر عليه وهذا واضح في عملية تحركيه وتصعيده مكانيا وزمانيا وعلى نحو يخدم بأشكال ظاهرة أو مموهة أو خفية أطرافا وقوى الأطراف المسيطرة والمهيمنة والمتنفذة داخليا أو المرتبطة بها خارجيا وهذا الفهم تؤكده وتفسره الأزمة السياسية بعد الوحدة وحرب صيف 94 والتحالفات السياسية التي سبقتها ولحقتها وما استتبع ذلك من استقطابات وتحالفات ثم نشوب قضية صعدة بحروبها الستة والقضية الجنوبية وصولا إلى أحداث 2011م التي بدأت كثورة شبابية شعبية تسعى إلى التغيير وانتهت بعد اعتلاء القوى السياسية لموجتها إلى مربع الأزمة وإن بصورة أعمق على التي كانت في الفترة السابقة لذلك الحراك التغييري وكان للأطراف الإقليمية والقوى الدولية دور حاسم في كل هذا المعبر عنه في التسوية السياسية للمبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني.
ومع أن اليمنيين عولوا كثيرا على هذه التسوية وعلقوا الكثير من آمالهم في التغيير وبناء الدولة المدنية المحققة للعدالة والمواطنة المتساوية لكن هذه الآمال والتطلعات تراجعت بمرور الوقت بسبب تعدد المشاريع للقوى الرئيسية الداخلة فيها مغيبة المشروع الوطني المدني التغييري الذي أبقت عليه فقط في خطابها السياسي والإعلامي بينما في الواقع سارت الأوضاع في الاتجاه المعاكس وهذا ما أدى إلى أحداث 2014م التي ستستمر إن لم تستوعب القوى السياسية الدروس وتستلهم العبر وتستفيد من الأخطاء السابقة.. وفي كل الأحوال تبقى الأمور مرهونة إلى حد كبير بالمسار الذي سيتخذه الوضع في المنطقة وعلى الصعيد الدولي.