قطرة في مخيلة البحر” تستنطق صمت المواجع
• خلف عامر
• خلف عامر –
من العتبة الأولى لديوان الشاعر زين العابدين الضبيبي الذي حمل عنوان “قطرة في مخيلة البحر” تسحبك صورة غلافه الصادمة بألوانها القاتمة التي توحد فيها اللون البني بالأسود وكأنه يشي لك بفجيعة العتمة والاغتراب والانكسار والضياع غير أن الشاعر على ما يبدو لم يستسلم لهذه القتامة وإنما سعى لكسر هذه الحالة المتمثلة في محاولة الطائر الهروب من الحصار الخانق في غلاف المجموعة من جهة اليسار في مشهد حلمي غامض إذ إن كل الاتجاهات موحشة ومغلقة فأين المفر¿
يشتغل الشاعر اليمني الشاب الضبيبي على القهر الإنساني رغم صغر سنه ويغوص في توصيف الوجع الخاص ويعممه ليشكل منه وجعا عاما عبر قصيدته الكلاسيكية في فاتحة ديوانه التي حملت عنوان “حروب مؤجلة” حيث يقول متكئا على القافية المقيدة (مثقلةú/مسدلةú/ أسئلةú) ومثل هذه القوافي تشي بالألم والوجع:
“عرöبات عمرك مöثل روحك مثقلةú
وضفائر الأحزانö حولك مسدلة
والليل والحلم القديم وشاعر
ألúقوا عليك بحزمة من أسئلةú” (ص 15).
شبه الشاعر “العربات” بأيام الإنسان ليكشف عن حöمل الأيام المثقل والذي توزع في مكامن الإنسان الجوانية راصدا فيها ما يعانيه من انكسارات وهم وقهر وعوز وخوف مصورا ذلك من خلال إسدال ضفائر الحزن عليه ومحاصرته من كل اتجاه كي يبقى في عزلته حتى تنهيه ويبقى في نفس النسق لا يبرحه للتأكيد على ما يفعله الخوف المتجذر من إرهاصات وإشكاليات وضغط نفسي متكئا على التناص الديني في مقاربة الصورة المستمدة من “سورة أهل الكهف” ليستند على تصوير مقاربة حالته التي يمر بها إذ يقول:
“ناموا سكارى بكهف الخوف ماانتبهوا
فكحل (الكلب) عين القومö بالرمد
ولى زمان وهذا مثله ثمل
عشنا غريبين يا خوفي على ولدي. (ص93).
يقول الدكتور عبدالعزيز المقالح عن تجربة “الضبيبي” في مقدمة الديوان: مع أن الشاعر ما يزال في ريعان الشباب إلا أننا نلمس في ثنايا بعض قصائده شعورا طاغيا بالألم وإحساسا حادا بالإحباط وفي بعض العبارات ما يشي بالوجع ويكشف عن مرارة الواقع وانعكاساته على كثير من المبدعين الشبان الذين يشعرون أنهم باتوا جزءا من الفئة المهمشة والمقصاة.(ص11).
وفي توصيف الجنون الموقت يرسم الشاعر صورة يستنطق فيها من خلال صدر البيت وعجزه دواخله بالتصريح لا بالتلميح كاشفا ما به عبرها إذ يقول:
“وهناك من جهة الجنونö مسافر
يعدو فيöنسى ظله أن يلحقـه
ومساؤك المشبوب من حسراتهö
في صمته الذاوي يعانق قنبلة” (ص15)
يستقي الشاعر جل نصوصه من الواقع الذي يعيشه ويصور ما يعانيه المجتمع فالشاعر لسان حال الجموع المغيبة والمهمشة في زمان الصمت والتسلط والخوف زمان فقدت فيه أبسط مقومات الحياة الكريمة وكأني به يصرخ في الهياكل النائمة يحثها على تغيير واقع حالها في صورة شعرية مترفة بالجرأة فيها الكثير من التحدي والإصرار من خلال قوله:
“مادامت الدنيا تنام براحتي
والصبح والأحلام من أغراضي
لن تستطيع- وقد خرجت – تحملي
مهما فعلت معي – ولا إجهاضي” ( ص 59)
يقول الناقد اليمني عبدالرقيب مرزاح: المجموعة الشعرية “قطرة في مخيلة البحر” يجد فيها القارئ قابلية القول الحر المفعم بقوة الداخل الصامتة وبالدفء الإنساني لكنه ليس دفئا مجردا من الجنون حين يغدو الشعر –هاهنا– هو قول الداخل السري والمستعصي والمقفل أحيانا بمفاتيح رميت في البحر وتعين على الشاعر زين الضبيبي أن يخرجها من المحيطات دون أن يقع في مزالق الموت. كل شيء في المجموعة يمر عبر الانشغال الوجودي المتعلق بالحياة والموت والخير والشر”.(النص منقول عن الغلاف الأول للمجموعة).
ثيمة الحزن والجنون متكررة بكثرة في مجموعته فذكر الحزن ومرادفاته قرابة 23 مرة والجنون 9 مرات والحلم 13 مرة وما ذلك التكرار إلا تصريح جلي يدل على حجم قلق الشاعر النفسي وخوفه من الحاضر وتداعياته المريرة والآتي المخيف وقد رسمت قصائده لوحات حروفية مغلفة برؤى مبهمة وضبابية تارة تفصح القصائد عن حزنه وتارة يلبسها ثوب الجنون وأخرى يركب صهوة حصان الحلم لينشله من واقع مظلم لا تعرف له ملامح ولا دروبا.
تطارده الغربة الذاتية لا تدعه يسترح حتى قصائد الفرح مكحلة بحزن دفين يجر أنة بعد أن أنسن الجوع ليدلل عن أن جوعا قيميا غربه لا مادي يسكته باللقمة قائلا:
“غربة في دمي وللجوع صوت
وفي الحنايا أضاع فكري وحسي” (ص 109)
ويبقى في نفس النسق في معالجته للوجع المر الذي حاصر بقايا ما تبقى من الفرح بداخله لتحكي قصيدة التفعيلة عنه إذ يعبر صوته الداخلي عن نشيد حزنه عبر عودة أخرى للتناص الديني “سورة يوسف” ليؤكد سلطة أوجاع احتلته من خلال العودة “لأخو