الـ30 من نوفمبر يريد أن يقول شيئا

فتحي الشرماني


 - 

للفرح بالأعياد الوطنية فلسفة نبتعد عن فهمها كلما عملنا على تسطيح الذكرى, وابتعدنا عن إعادة قراءة تاريخنا السياسي لاستلهام الدروس والعبر .. كثيرا ما نرى في الأعياد ا

للفرح بالأعياد الوطنية فلسفة نبتعد عن فهمها كلما عملنا على تسطيح الذكرى, وابتعدنا عن إعادة قراءة تاريخنا السياسي لاستلهام الدروس والعبر .. كثيرا ما نرى في الأعياد الوطنية مواسم للفرحة بعظمة الإنجاز وتحقيق الهدف الوطني بعد نضال وتضحيات مريرة, وهذه عواطف جمعية لا غنى عنها لأنها تقوي ارتباطنا بالوطن وقيمة الوطن وقيمة ما قدمه الشعب من أجل صناعة هذا اليوم التاريخي أو ذاك, ولكن يحدث أننا في ظل ذلك نصرف النظر عن كون هذه التواريخ المشهودة والمشهورة لها ما بعدها من أحداث (إنجازات أو انتكاسات) ينبغي أن يكون الاحتفاء غير معزول عن تذكرها وتذكر الأسباب التي قادت إليها.
إننا نحتاج إلى استدعاء الذكريات الوطنية وهي في سياقات زمنية متكاملة لكي نستطيع تكوين رؤى وتصورات عن كيفية الحفاظ على الإنجاز الذي نحتفل بحلول ذكراه, ومعرفة مدى تحقق الأهداف الوطنية التي جاء من أجلها هذا الإنجاز, وصولا إلى كيفية الاستفادة منه في إنهاض الحاضر وتجاوز العثرات لصناعة المستقبل المنشود, وبهذا تكون الفرحة بالعيد الوطني لدى النخب السياسية والثقافية ليست مجرد فرحة عابرة, وإنما هي وقفة تأمل أمام حدث تاريخي وأحداث أخرى ارتبطت به تعطينا تجارب ناجزة نفيد منها في تقويم الاعوجاج وتصحيح المسار, لاسيما إذا كان الوطن قد أسلمته الأيام إلى حالة من التراجع والتقهقر بفعل دورات جديدة من الصراع كما هو حاصل اليوم.
لدينا ذكرى وطنية لقيام ثورة مجيدة في 26 سبتمبر 1962م ولدينا معها سلسلة من الحروب الأهلية وعدد من التسويات التي أعقبتها .. لدينا ذكرى وطنية أخرى لقيام ثورة مجيدة تفجرت ضد الغاصب الأجنبي في 14 أكتوبر 1963م, وذكرى ثالثة لإعلان الاستقلال وخروج آخر جندي بريطاني من عدن في 30 نوفمبر 1967م, ولدينا معهما معالم إنجاز وكذا تاريخ من الصراع بين شركاء النضال في ما يعرف بأحداث ما بعد الاستقلال .. كما أن لدينا ذكرى رابعة لإعادة تحقيق وحدة الوطن في 22 مايو 1990م ولدينا مع هذه الذكرى تاريخ من الإنجازات المحققة ومثله تاريخ من الإخفاقات والأخطاء التي تتسبب في مزج الفرحة بالحسرة.
وإذن ففي أعيادنا الوطنية ما هو جدير بنقلنا من سطحية الذكرى إلى جوهريتها, إلى حيث نجد من الدلالات ما هو كفيل بتنويرنا وتبصيرنا بما هو أنفع لوطننا وأقوم لمسارنا السياسي, وما هو أخطر على مستقبل أجيالنا.
وحين تحل اليوم الذكرى السابعة والأربعون ليوم الاستقلال 30 نوفمبر 1967م, فإننا لا نعيش فرحة وطنية فحسب, وإنما نعيش أيضا ذكرى حدث كان له ما بعده من أحداث, ونعيد قراءة حقبة وطنية تصدرتها وجوه نضالية نتذكرها كلما عرضنا لذكر أحداث مرحلة ما بعد الاستقلال, وهي نخب في تاريخ نضالها ما ينير السبيل ويرشد الضال.
نعم كانت نخبا تتصارع على السلطة, ولكنها لم ترض بأقل من الاستقلال الكامل والناجز الذي يعيد للشعب حقه المسلوب وسيادته الكاملة على كامل ترابه الوطني, وإرادته الحرة في اتخاذ قراره بدون وصاية.
كانت نخبا تتصارع على السلطة, ولكنها في الوقت نفسه لم تفرط بوحدة الجنوب .. إنها لم تصنع الانتكاسة التي كان يود الاستعمار لو تحدث.
كانت نخبا تتصارع على السلطة, ولكنها في الوقت نفسه ظلت تبذل جهودا مضنية وتواصل مساعيها لتحقيق حلم اليمنيين بإعادة توحدهم.
لقد كانت العقبات تتكاثف والصراعات تتعاظم, ولكن ظلت العجلة تواصل السير والعصا في دولابها, فقد بقي الإصرار على الصمود .. وحين كانت الإخفاقات تفرض نفسها على المرحلة بقي الإصرار على تحقيق النجاح وإنجاز أكثر مما تحقق.
هذا يعني إذن أن في ذكرى الاستقلال والأحداث التي أعقبته ما يستحق أن نتعمق في النظر إليه لأخذ الدروس والعبر, لاسيما ونحن نعيش اليوم أزمات واحتقانات نبدو فيها مصرين على أن نجعل كل مكتسباتنا الوطنية على المحك .. لماذا يحدث ذلك¿ لماذا نبدو على استعداد لمعالجة الخطأ بالخطأ¿ لماذا لا نأخذ من الماضي ما هو إيجابي ونترك ما هو سلبي¿ إننا نريد النجاح يلد نجاحا والإنجاز يصنع إنجازا, لا النجاح أو الإنجاز الذي يظل وجوده مهددا بالفشل.
ألا نلاحظ كيف أننا نصنع ما هو عظيم ومصدر فخر, ولكن ما نلبث أن نحاصره بمجموعة من الاختلالات التي تفقده معناه وتضيق عليه الخناق .. هذه جزئية من مسيرة حركتنا الوطنية ينبغي أن تكرس لها الجهود على مستوى الحوارات والنقاشات وعلى مستوى البحوث العلمية لمعالجتها لأن مسارنا السياسي لايزال حتى اللحظة يتعاطى هذا الخطأ ويقع في المأزق الذي وقع فيه رجال الأمس.

قد يعجبك ايضا