الإزعاج السياسي
محمد العريقي
* في هذا العصر الذي حقق فيه الإنسان تقدما كبيرا في مختلف المجالات , لكنه في المقابل جاء بمصادر إزعاج عديدة جعلته يفتقد لراحة البال والاستقرار النفسي , والطموح الشخصي , وأصبح بمثابة ورقة في مهب الريح لا يدري كيف يسيطر وينظم مجريات حياته .
في كل دول العالم يشكو الناس من الإزعاج الذي يأتي من وسائل النقل وضجيج الازدحام والأصوات الصادرة من المصانع والمنشآت, واعتبر ذلك من الملوثات التي ترهق العقل وتوتر الأعصاب, فيبتكرون طرقا وأساليب ووسائل تقلل من تأثير ذلك .
وفي بلدننا العربية ومنها اليمن فقد طالتها مصادر الإزعاج المختلفة, فشوارع مدننا الرئيسية غارقة بفوضى المركبات وازدحام البشر ,والورش , والمعامل (لأنه من الصعب نقول المصانع فليس لدينا مصانع بالمعنى الصحيح), ناهيك عن أصوات البشر المرتفعة , واستخدامهم كلمات وألفاظا مزعجة وبعضها غير مهذبة , وفوق هذا وذاك طغى علينا الأن الإزعاج السياسي , وهو الخطير الذي يكاد يعصف بكل شيء , وخطورته تبرز الآن في هذا الجو المحتقن والمتوتر كنا نعتقد أن الإزعاج السياسي تصنعه وتفتعله النخب السياسية التي تلعب في هذا الميدان , وأن كل ما يقال وما يحاك من مكايدات سياسية , وتهم , وتضليل وخداع , لا يعدو أن يكون جزءا من اللعب السياسية فيما بينها .
أما اليوم فإن الميدان اتسع ولم يعد هناك أي مؤشر يدل بأن ما يجري مجرد لعب سياسي , بل يظهر أنه صراع في حلبة , ليس فيها أي قوانين ولا حكم يضبط إيقاع اللعب .
إذا فمظاهر الإزعاج السياسي تأخذ منحى خطيرا مهد بلغة عنيفة بين مختلف القوى المتصارعة , وانعكست تداعياتها على الشارع الذي بدأ ينقسم بين التأييد والمعارضة لهذا الطرف أو ذاك , أما الجزء الأكبر من الشعب فواقف في ساحة الحياد يدعو الله أن يلهم المختلفين الهداية , وأن تظل خلافاتهم في نطاق اللعب الشريف والنظيف على ساحات ميدانها محدودة , حتى وإن كان فيها من الخشونة التي تصدر الإزعاج ولكن دون الوصول إلى المصادمات الدامية , لكن يبدو أن الأمور تتجه نحو ترك الملعب السياسي والخروج إلى الفوضاء , وهذا الجزء الأعظم من الشعب هو اليوم حائر , ولا يدري إلى أين ستؤول الأمور , فكل ساعة أصبح فيها مستجد جديد , ولا ندري كيف سيكون الغد , خاصة وأن التأجيج هو سيد الموقف .
وللأسف فإن وسائل الاتصال الحديثة التي تعتمد عليها وسائل الإعلام من فضائيات وصحف والمواقع الإخبارية والتواصل الاجتماعي الإلكترونية هي الأدوات الفعلية للإزعاج السياسي الذي تطور اليوم إلى عنف سياسي , فالعالم يستغل هذه الوسائل للتنوير , والتنمية , والمعرفة , وتقديم الخدمات الاقتصادية , والتطور العلمي , والترفيه , وفي بلدننا العربية ومنها اليمن استغلها البعض- وخاصة أصحاب المصالح الكبيرة – لإثارة الفتن والكراهية وتمزيق النسيج الاجتماعي , وانساق الكثير من المغفلين خلف الرسائل الإعلامية الماكرة , وانحشروا في مربعات التعصب , والانقياد وراء هذا الطرف أو ذاك حتى ولو كان ذلك على حساب حياتهم ومصير الوطن .
وكم هو مقلق أن تتسلل المصطلحات الخطيرة إلى السطح لتمثل بالفعل ذروة الإزعاج السياسي , فتلك المصطلحات المذهبية والطائفية , لم يكن يسمع عنها اليمني أبدا, والمخيف أكثر أنها تتزامن مع مشاهد مأساوية من بلدان انزلقت إلى أتون الصراعات الطائفية والنتيجة نزيف دم الإخوة بدون أي مبرر .
إن خطورة الإزعاج السياسي تظهر ملامحها على المستوى الشخصي والوطني والإقليمي والدولي , فالإنسان اليمني أصبح اليوم قلقا لا يدري ماذا يخبئ له اليوم التالي , وهو يرى هذا التوتر والإقلاق الأمني , والعنف , فانعكس ذلك على حياة الأسرة وأفقدها الأمل بمستقبل افضل , وحتى الأطفال طالهم الخوف والقلق , وعلى المستوى الوطني , فيكفي أن هناك شرخا شق لحمة التماسك الاجتماعي للإخوة في الوطن الواحد , وهذا يسبب التشظي والتمزق.
أما إذا وقفنا أمام الضرر العام للإزعاج السياسي والذي يصيب بناء الدولة والتنمية, فله أبعاد كثيرة , فحتى الآن لم تستقر الأوضاع والسبب هذا الجو السياسي المشحون بالنزق والغضب , وهذا يؤدي إلى إرباك الدولة عن القيام بواجباتها , وينعكس ذلك في الأداء التنموي الضعيف بل والمعدوم , وانحسرت الاستثمارات الوطنية والخارجية إلى حد كبير , وارتفعت حدة البطالة , وتراجعت قيم العمل والإنتاج .
وإقليميا ودوليا فقد وضع الإزعاج السياسي بلادنا في دائرة الأطماع وأتاح للكثير من التدخلات والصراعات والحروب بالوكالة, والشعب اليمني هو الوحيد الذي يدفع من دمه وقدراته وإمكانياته المختلفة , والنتيجة مزيد من الفقر والتخلف.
وللخروج من ه