“قصائد روتها الريح” للوطن والطفولة

الغربي عمران


الغربي عمران –
سؤال:
«قال لي طفلي
-الذي لم أره منذ زمن-
كيف لي:
أن أكشف سر الوردة الثكلى
وأحزان الوطن».
جزء من نص أورده الشاعر العربي عöذاب الركابي على غلاف ديوانه الأخير”قصائد روتها الريح”.. الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة..سلسلة أفاق عربية القاهرة 2014 والذي ضم 31 نصا أترك للقارئ التأمل فيه.
وأعترف بأني أقف عند كل نص من نصوص هذا الديوان منبهرا بما تحمله من معان ودلالات عميقة..يحتاج كل منها إلى عشرات الصفحات من التحليل واكتشاف أعماق تلك النصوص المدهشة.
شاعر حين يكتب تفوح من قصائده رائحة الروح التواقة للإنعتاق.. راسما مساحات من الوجد للوطن وأماكن الطفولة الأولى.. تظلل نصوصه ملامح الغربة.. الشوق للوطن.. وهو البعيد عن وطنه العراق لعقود طويلة.. شاعر يتوق إلى رائحة الأنثى ليخط بمداد قلبه إغواء مشاعره مازجا بين الوطن والأنثى.
وفي احتفائيتنا هذه بديوانه الوليد..نبحث عن الغائب في شعر عöذاب.. وعما يرمز إليه في نصوص ديوانه .. وعن نقيض حضوره. فالوطن الغائب حاضر بقوة في كل مفردة بشجن وعتاب مؤثر.. والأنثى الرمز حاضرة أيضا بقوة.. وكذلك الاغتراب كنقيض لحضور الوطن..يحضر بشكل وافر.
وبداية بأهم العتبات .. عنوان الديوان والمأخوذ من أجمل نصوصه”قصائد روتها الريح” المتأمل لهذا العنوان وما يحمله من دلالات .. سواء بتشريحه على مستوى كل مفردة.. أو كجملة كاملة.. سيجد اللوعة والحرمان والضياع.. ويجد الحنين والوجد والسمو.. فـمفردة (قصائد) تحملنا إلى أسمى معاني الفن الإنساني وسمو مشاعره وما ترمي إليه قصائده.. والمفردة الثانية من العنوان (روتها).. تستدعي إلى ذهن القارئ قيمة الحكي أو القص وما توحي إليه هذه المفردة من ثقافة الرواية والسرد لمسيرة الإنسان من قصص الحروب والحضارات.. إلى حكاية الأساطير والغيبيات .. مرورا بالرواية الحديثة وما يعيشه فن الرواية وتعيشه بنا.. والمفردة الثالثة والأخيرة في العنوان الريح.. والريح وما يتبادر إلى الذهن من ضياع وهروب وانتشار. وفي مجمل المعنى لتلك الصورة المبتكرة ..ونحن نتخيل ريح تروي شعرا..وحولها من ينصت باشتهاء.
وإذا ما أخذنا العنوان كجملة متكاملة”قصائد روتها الريح” لحظتها يتبادر إلى الذهن سؤال: لما لا تكون قصائد ألقتها الريح¿ بدلا عن روتها الريح.. حتى يستقيم المعنى..على اعتبار أن الشعر يلقى. والسرد يروى ..ومن ناحية ثانية.. لماذا الريح هي التي تروي القصائد.. وليس كائن آخر ¿ وهكذا نجد أن ذلك العنوان يثير أكثر من سؤال .. لتحملنا دلالاته في أكثر من اتجاه.. ويحضرنا الوطن في إحداها وفي أخرى الحرمان والضياع .. كما تحضر الأنثى بما تحمله من رمزية للوطن والعطاء والعاطفة. وهنا ينتج العنوان ثلاثة إيحاءات : الوطن وما يرمز إليه من آمان واعتداد واستقرار.. الأنثى وما توحي إليه من عطاء وحب وخصب.. الاغتراب وما يذهب بنا إلى الحرمان والحزن والوحدة.. إضافة إلى ما يمكنه أن يوحي به هذا العنوان من إيحاءات فد تختلف من متلقى إلى آخر.
تأتي مقاربتي هذه نتيجة لما أثارت في تلك النصوص المتنوعة بروعة إتقانها .. دافعة بي للبحث فيما وراء ظاهر النص .. والبحث فيما خلف السطور.. وبداية بتلك العناقيد الشعرية التي وضع الشاعر لكل نص عنوان ثم عناوين فرعية بداخل النص ليقرأ القارئ تلك النصوص الفرعية بمعنى منفصل .. وفي نفس الوقت متصل ببقية نصوص العنقود ..ومنها : خمس قصائد هاربة قصائد روتها الريح إضاءات مدارات وصايا السنبلة وقت للتراشق بالورد.. والمطر.
وتلك العناقيد تجربة وتجديد في بنية النص الشعري..وإن كتبه غير شاعرنا.. إلا أننا ندرك تلك العلاقة بين أجزاء العنقود ..فكل مقطع كما ذكرنا نص بكل أركانه الموضوعية والفنية.. وكل أجزاء العنقود مركب بكل مبهر ..فهي تتصل ببعضها في المعنى ومن خلال الشكل وإيقاع اللغة وموسيقاها.. وفي الوقت قدم كل مقطع أو نص ليمون قائم بذاته كنص شعري متفرد.
ثم هناك قصائد شبيهة بالعناقيد الشعرية إلا أن الشاعر اكتفى بتقديم كل عنقود تحت عنوان رئيسي واحد .. ليترك مقاطع العنقود دون عناوين فرعية مكتفيا بنقطة بداية لكل مقطع او نص فرعي وتلك الشبيهة بالعناقيد هي : الخريف يستقيل بورتريه,فقط كوني أنت,فتى من سلالة الريح,جلجمش لن يغيب طويلا الصبح.. ليلا في حضرة نجمة تائهة,استحالة ثانية لن أبيح بحبي إلى ..نزار قباني.
وما ينطبق على العناقيد الأولى ينطبق على شبه العناقيد.
وكلماتي تلك لا تعني انتقاصا من أحد بقدر ما تعني أننا اليوم في حضرة نص جديد .. وما هذه القصائد التي تقوم بعضها بمقام ديوان كامل إلا خير دليل على أن الشعر العربي يبحث عن فرسان إيحائه .. ومن يقرأ ديوان قصائد روتها الريح سيدرك أنه أمام شاعر كبير..بل وأحد مجددي الشعر العربي الحدي

قد يعجبك ايضا