حين يكون الولاء للوطن
علي بارجاء
لم تكن ثورات الربيع العربي التي اشتعلت في الدول العربية حتى اليوم قادرة على خلق واقع جديد يلبي طموحات الشباب العربي الثائر فيها, ويحقق أحلامهم بأنظمة سياسية جديدة تكون بحجم التضحيات, وتعي مفهوم الدولة الحديثة, وأساليب إدارتها بما يحقق العيش الكريم والعدالة والمساواة والحرية والديمقراطية, وتنتهي بها الصراعات والأزمات المفتعلة, والبدء ببناء الدولة ومؤسساتها القادرة على التنمية والتطوير والتحديث وإنجاز المشاريع الوطنية العملاقة ليشعر المواطن بالتغيير من الحال السيئة التي كان يعيشها قبل الثورة إلى حال أفضل.
لقد عرفت شعوب هذه البلدان أن ثوراتهم لم تكن بحسب ما كانوا يطمحون ويحلمون فقد دخلت هذه الدول في صراعات ومماحكات أدت إلى المواجهات العسكرية بين فرقاء السياسة فيها. الأمر الذي أدى إلى توقف الدولة عن أداء دورها, وصار واضحا أن القوى السياسية التي استغلت حماسة الشباب وركبت ثورتهم لتصل إلى السلطة وتتولى مقاليدها قد أظهرت فشلها في قيادة وبناء الدولة المنشودة التي يمكن الالتفاف حولها.
إن أربع سنوات منذ بدء ثورات ما يسمى بالربيع العربي كانت كفيلة بأن تبنى فيها الدولة الناجحة, وأن تكون عجلة البناء والتنمية قد دارت وآتت أكلها, وشعر المواطن بخيراتها في معيشته وحياته إذا كان ثمة صدق في النفوس بعد أن يكون قد تم إنجاز كل الأمور المتعلقة بالنواحي الدستورية كصياغة الدستور والاستفتاء عليه, والانتهاء من انتخاب الرئيس والبرلمان وتشكيل حكومة عمل حقيقية.
إن ما حدث في هذه الدول ــ عدا مصر ــ كان مغايرا تماما لما ينبغي أن يكون, إذ ما زالت هذه الدول تعاني من عدم استقرار, وظل الصراع فيها قائما بين القوى السياسية, أو الصراع والمواجهات بين الدولة نفسها والجماعات المسلحة من تنظيم القاعدة, وما يحدث في ليبيا وسوريا والعراق (منذ الإطاحة بنظام صدام حسين) يكشف أن هذه الثورات هي نتيجة لمخططات خارجية معادية للإسلام وللأمة العربية, الهدف منها هو تخريب هذه الدول وإضعاف اقتصادها, وتدمير جيوشها, ولم تكن لتغيير نظام سياسي قديم لإقامة آخر جديد ينتشل هذه الدول من فقرها فيرفعها إلى مرتبة الدول المتقدمة سياسيا واقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وثقافيا. يوم الثلاثاء الماضي حين كنت أشاهد على القنوات الفضائية المصرية بدء العمل في مشروع قناة السويس الجديد شعرت بعظمة الشعب المصري وعظمة قادته ما يؤكد أن مصر هي الدولة الوحيدة التي تجاوزت كل التحدöيات والمعوöقات, وبدأت تجني ثمار ثورتها وهذا بفضل ما عرöف عن المصريين شعبا وجيشا أن ولاءهم المطلق لوطنهم مصر ليس له مثيل, ومشروع مثل هذا سيكون له مردود اقتصادي كبير, وبخاصة أنه مشروع مصري مئة في المئة, وينفذ تحت إشراف القوات المسلحة.
قناة السويس الثانية هذه تعيد إلى الذاكرة العربية مشروع قناة السويس الأول الذي كان له أثر كبير على الملاحة والتجارة الدولية بين الشرق والغرب.
كم نحن بحاجة في الدول الأخرى التي مسها جنون الربيع أن ينظر قادتها والمتصارعون فيها إلى مصر, وأن يتخöذوا من المصريين مثلا يحتذون به فيستيقظون ويصلحون ذات بينهم ليتفرغوا للتنمية والبناء والتطوير, وأن يكونوا أوفياء لأوطانهم وشعوبهم وأن يعلوا مصالحهما فوق كل المصالح الشخصية والحزبية التي تتعارض مع الولاء للوطن.