قشـــــــــــــور

حسام السعيدي

كان للملعقة صدى وهي تحرك الدقيق الأصفر في كوب القهوة أقسم “عبدالرؤوف” طبيب الأعشاب ذائع الصيت بأن عينيه تعافتا تماما بعد أن تناول هذا الخليط المر طوال ليالي أسبوع كامل ..
قدöم الحاج ” أمين ” إلى البوفية وأخذ يقسم بأنه شاهد هلال رمضان مطلع مساء الليلة وهب يتوعد بصيام نهار الغد.. ويتمتم بحنق :
• لا يهمني ما يقوله هذا المذيع الأبله ولا تهمني كلمة الوالي… لا أصدق إلا ما تشاهده عيناي…!
لا شيء يفوق مرارة القهوة إلا التفكير في كيفية سداد قيمتها ..!
تمنى أن يكون الحاج ” أمين ” مخطئا فقيمة سحور هذه الليلة أمر يثير في نفسه الخوف !
في غمرة تفكيره لاح أمام عينيه ” هلال ” وهو ينظر إليه بحذر شديد لقد وعده بدفع كل الديون التي عليه بما فيها قيمة كوب القهوة هذا ..
• يا ترى هل أحضر دفتر حساباته الضخم الليلة¿
لا مناص إذا من إيجاد حل ما لا تطيق نفسه الوقوف أمام “هلال” بمذلة والصبر على بذاءة لسانه ونظرات الناس الذين سيشهدهم عليه .. الحاج مصطفى الشيخ محمد .. وماذا لو طلب تسوية الأمر في مركز الشرطة ..¿!
كل الحلول التي لاحت أمام عينيه ستغضب رمضان لا محالة ماذا لو غضب رمضان ¿¿
” حمدي ” صديق طفولته لم يسمع لنصيحته في ذلك اليوم المشؤوم وأغضب رمضان ..
لم يرض رمضان بمعاقبته بكرسي متحرك ويد ممدودة للناس فحسب بل رمى بجثته إلى قعر إحدى المقابر ولم يزره بعد ذلك أبدا ..!
كان الناس يقولون بأنها دعوة مظلوم انهالت عليه ولكن الشك يغلب عليه بأن رمضان بقدر خيره يعاقب كل من يغضبه أيضا ..
كل شئ ممكن.. إلا اكتشاف أن هذا الشحاذ الأعمى الذي يجلس بجواره يمتلك عيني زرقاء اليمامة وأن تلك الضمادة على كتفه والمثيرة للشفقة تحوي سكينا صغيرة تستطيع أن تنفذ إلى أعماق أكثر الأجساد متانة وقوة ..فهو أمر غير ممكن .. وينذر بانهيار خطة ما تبلورت في أعماقه ..!
ذلك الرجل الأنيق المهندم الذي يجلس في ركن ” البوفية ” ويتجمع حوله بعض الشبان يتحدث عن هدم شيئا ما ثم إعادة بنائه .. ها هي الفرصة إذا ..
انثنى جسده حتى يلتقط المزيد من الحديث فبادرت عيناه ولمحت أحدهم وهو يستقطع جزء من ” الكعك ” ويهوي بها إلى بطنه.. دون أن يتنبه له البائع .. جميعهم يغضبون رمضان ..
• عفوا سيدي .. هل قلت شيئا عن الهدم والبناء إنني أتمتع بخبرة كافية في هذا المجال وسأكون متفرغا تماما لمتابعة الأمر ولا أهتم كثيرا للمال قدر اهتمامي بخلق الكثير من الإبداع في عملي و…
• يبدو بأن لدينا خبير في عمليات الأيض الكيميائية بشقيها ” الهدم والبناء ” يا شباب ولكن هل تفهم كثيرا بهذه العمليات في الديدان والأحياء الدقيقة …¿!
يا إلهي … إلى متى يتوجب علي أن أصبر ..¿
قدöم النادل إليه حاملا دفترا صغيرا بين يديه … كان يسأله ما إذا كانت القهوة خاصته بقشور البن أو بمسحوق البن ¿ أجابه ببرود :
• لا أدري ..سل عالم الديدان هذا¿ هل هناك فرق يا ترى .عيناك البنيتان .. هل بقشور أم بدون قشور ¿¿!
• سأذهب لسامي الرسام .. ثم أعود إليك يا حاذق … بالمناسبة للقهوة بالقشور مذاق رائع ولكنها تجلب الأرق ..!
خطوات قليلة في باحة ” البوفية ” أوصلته لـ” سامي ” الرسام .. كان منهمكا في رسم كوب من طين محروق وفاتنة ترتشف القهوة في غنج ودلال… تتدلى ضفائرها على نحرها … تثير القهوة حلمتي نهديها… فتبرزان على فستانها القرمزي …
استلقى ” سامي ” ضاحكا حيث أخذ يخبره بأن التي في اللوحة تتحرك وبسخرية همس في أذنه :
دعها تنادي على النادل …ربما ينقص القهوة بعض السكر .!
– لا تسخر مني أقسم أنها وضعت يدها على خدها ثم اعادتها إلى الطاولة ..تعال وانظر إلى صدرها إنه يتأهب ليمنح نهدة عميقة .. أرأيت ¿¿ لقد نظرت إلي ثم أشاحت بصرها عني مسرعة ..!
• تحدثي لا عليك يااا ….. سأسميك ” سوسن ” نعم ” سوسن “.. تحدثي يا “سوسن ” لا تخجلي منه .. إنه… ” سامي ” الرسام الأحمق .. لا يعي شيئا … بل لا يصدق أنك تتحدثين … ارتشفي رشفة أخرى من البن ¿
• ماذا هل انتهت قهوتك .. حسنا هذا كوب قهوتي .. ارتشفي منه كما تشائين …
• ماذا … هل قهوتي بقشور ..والقشور لا تعجبك .. تبا لي ¿
• سوسن … سوسن … أقسم أنها تحدثت يا ” سامي” .. رفضت قهوتي وقالت :
” القهوة كالحب … لا تقبل القشور .. كالحياة لا تقبل القشور ” …
أخذ يتمتم كالمجنون دون وعي :
• سوسن ..هلا جئتö لنشرب القهوة معا …كما تشائين أنتö…سآخذ قطعة كعك مكتملة أيضا .
توارى في باب ” البوفية ” الخلفي هامسا : تعالي .. وإلا لن أكف عن إثارة غضب رمضان ..!!

قد يعجبك ايضا