شذرات من خطاب الحب في شعر الدكتور المقالح
علي الفهد

علي الفهد –
أن تحب فأنت إنسان وأن تقول كيف تحب فأنت شاعر إنساني عظيم معظم الخطابات الإبداعية التي كتب لها الخلود صدر أصحابها من قيمة الحب وعنها ولأجلها واستطاعوا أن يجتازوا بخطاب الحب وبقوته السلسة والناعمة مراحل متقدمة في سلم التطور الإنساني ما كان للممارسات التعنيفية والخطابات المتذمرة ولا حتى الحروب- تحقيقها .
الشاعر عبد العزيز المقالح واحد من أولئك الشعراء الذين عاينوا العالم والأحداث والظواهر بعين الحب وخطاب الحب في شعر المقالح يتسم بسمات متفردة كانت خلاصة تفاعل الشاعر مع الوجود والتراث من ناحية وإصغاء الشاعر لصوته الخاص و وعيه بالعصر وحركة العالم من ناحية أخرى.
وفي الوقت الذي كادت الكراهية تقطر من أغلب الخطابات السياسية والأدبية والدينية والتي خلفت شروخا عميقة في شتى الحقول والأنسجة الاجتماعية والسياسية والثقافية في مجتمعاتنا بعد أحداث الربيع العربي يفاجئنا الدكتور الشاعر عبد العزيز المقالح بـ (كتاب الحب) الصادر عن دار أروقة للدراسات والنشر . وقد أضاء لنا (كتاب الحب) فكرة هذا المقالومدنا بمفاتيح قرائية جديدة فالحب ليس ما هو مسطر في كتاب الحب فحسب ولكنه خطاب له أنساق في الأعمال الشعرية السابقة وهو الجوهر الذي شعت منه قصائد الشاعر الأستاذ وكتاباته وهو جهاز الرؤية الذي من خلاله وعبره تمكن الشاعر من ملامسة الوجود وقضايا العصر والمجتمع المتنوعة واستطاع أن يكتبها بشعرية من ذات محبة و مسؤولة تجاه الوجود والإنسان.
ولا شك في أن (كتاب الحب) يمثل عصارة خطاب الشاعر عن الحب بأبعاده المفاجأة وزواياه المجهولة وهذا ما يفسر إضافة لازمة (كتاب) إلى الحب في عنوان الديوان على غرار ديوان (كتاب المدن – كتاب القرية – كتاب الأم- كتاب الأصدقاء)
ولمجرد تلازم دال (كتاب) بأحد هذه الموضوعات في شعر المقالح يعني أن المنجز خلاصة استبصار ورؤيا ومعرفة متخثرة تتمازج و تكتب بغنائية عالية تجعلك ترى عوالم الموضوع الشعري من زوايا جديدة ومغايرة للمألوف والمعتاد وتقرأ ما لم يكن قد خطر لك على بال :
“يا بهجة من يغسل عينيه الناعستين
بماء الفجر المتنزل
بين أصابعها
شفافا
وبهيا
وطريا
عذبا كمياه النبع
لذيذا كالعسل البري
نقيا كسحابة صف
غسلتها الأمطار”.
فقيمة الحب تمثل القيمة الأعلى في سلم القيم الإنسانية والتي تشع منها كل القيم العليا بأسمائها وصفاتها المختلفة من حرية وإصرار وسمو و شوق وإخلاص و..إلخ .
فنجد الالتزام القيمي والإخلاص الذي هو من سمات المبدع الحر في التزامه ووالتحامه بهموم شعبه وتطلعاتهم:
“يتملكني حزن كل اليمانين
يفضحني دمعهم
جرحهم كلماتي
وصوتي استغاثاتهم
يتسول في الطرقات الصدى
كلما قلت :إن هواهم سيقتلني
ركضت نخلة الجوع في ليل منفاي
فانتفض العمر
وارتعشت في الضلوع دفوف الحنين”
إن عبارة (أحب) والتصريح بها وبالصيغ المقولبة والتي صارت شبه مصكوكة في أغلب المواقف الجميلة والمدهشة ما هي إلا إعفاء للنفس من اكتشاف الحب و لذائذه وعوالمه الخفية والمدهشة , كل البشر يحبون لكن القلة القليلة منهم هم الذين يحبون ولا يكتفون بالقول أنهم أحبوا ولكنهم يقولون كيف أحبوا والشاعر المقالح واحد من أولئك الشعراء العظام الذين أحبوا ونقلو لنا الحب وحالاته و وأمسكوا بأطرافه وطقوسه وعلاماته.
ولا نكاد نمر على نص من نصوص الشاعر المقالح إلا واستشعرنا من خلال لغة النص ورؤيته وأسلوبه أن الحب يمثل نسقا جامعا فلغة النص ودلالاتها تؤكد على فعل الحب وتشير إليه ما يمكنا من القول إن الرؤيا بعين الحب أسهمت مع جوانب أخرى في تحقيق الفرادة والتميز للقصيدة في شعر المقالح والذي اعتمد على كتابة الشعر من ذاته وروحه وتأملاته:
” حين جئت إلى الأرض كانت معي في قماطي
وكنت أرى في حليب الصباح
بياض مآذنها
والقباب
وحين هجرت البلاد
ابتعدت إلى قارة المسك
كانت معي في القصائد
مترعة بالغناء الكتوم
وفي الكتب المورقات
بماء الأساطير
كنت أراها
تسافر في الأبجديات
في لوحة من نجوم السماء .”
وافرد الشاعر المقالح لصنعاء مساحة شاسعة من إبداعاته الشعرية فصنعاء تمثل المكان الروحي والخيط الناظم والذي يقف خلف الكتابة والإبداع.
يقول في قصيدة (البكاء بين يدي صنعاء) وهو يمسك بتفاصيل الشوق والحنين إلى مدينته المثال :
صنعاء يا أنشودة عبقت
وأجاد في إنشادها الأزل
إن أبعدتني عنك عاصفة
وتفرقتú ما بيننا السبل
فأنا على