الأدب مع الله تعالى

الشيخ/صلاح الوزيري

إن المسلم ينظر إلى ما لله تعالى عليه من منن لا تحصى ونعم لا تستقصى اكتنفته من ساعة علوقه نطفة في رحم أمه وتسايره إلى أن يلقى ربه عز وجل فيشكر الله تعالى عليها بلسانه بحمده بما هو أهله وبجوارحه بتسخيرها في مرضاته وطاعته فيكون هذا أدبا منه مع الله سبحانه وتعالى إذ ليس من الأدب في شيء كفران النعم وجحود المنعم والتنكر له سبحانه قال تعالى “وما بكم من نعمة فمن الله” سورة النحل ويقول تعالى “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها” سورة النحل ويقول تعالى “فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون” صدق الله العظيم.
وينظر المسلم إلى علمه تعالى به واطلاعه على جميع أحواله فيمتلئ قلبه منه مهابة ونفسه له وقارا وتعظيما فيخجل من معصيته ويستحي من مخالفته والخروج عن طاعته فيكون هذا أدبا منه مع الله تعالى إذ ليس من الأدب في شيء أن يجاهر العبد سيده بالمعاصي أو يقابله بالقبائح والرذائل وهو يشاهده وينظر إليه قال تعالى “ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا” سورة نوح آية رقم “1314” وقال تعالى “يعلم ما تسرون وما تعلنون” سورة النحل أية رقم “19” وقال سبحانه “وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ يفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين” سورة يونس آية رقم “61”.
وينظر المسلم إلى الله تعالى وقد قدر عليه وأخذ بناصيته وأنه لا مفر له ولا مهرب ولا منجى ولا ملجأ منه إلا إليه فيفر إلى الله سبحانه ويطرح بين يديه ويفوض أمره إليه ويتوكل عليه فيكون هذا أدبا منه مع الله ربه وخالقه إذ ليس من الأدب في شيء الفرار ممن لا مفر منه ولا اعتماد على من لا قدرة له ولا الاتكال على من لا حول ولا قوة له قال تعالى “ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها” سورة هود أية رقم “56” وقال تعالى “ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين” سورة الذاريات أية رقم “50” وقال تعالى “وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين” سورة المائدة أية رقم “23” .
وينظر المسلم إلى ألطاف الله تعالى به في جميع أموره وإلى رحمته له ولسائر خلقه فيطمع في المزيد من ذلك فيتضرع له بخالص الضراعة والدعاء ويتوصل إليه بطيب القول وصالح العمل فيكون هذا أدبا منه مع الله تعالى إذ ليس من الأدب في شيء اليأس من رب رحمته وسعت كل شيء ولا القنوط من إحسان قد عم البرايا وألطاف قد انتظمت الوجود قال تعالى “الله لطيف بعباده” سورة الشورى أية رقم “19” وقال تعالى “ولا تيأسوا من روح الله” سورة يوسف أية رقم “87” وقال تعالى “لا تقنطوا من رحمة الله” سورة الزمر أية رقم “153” .
وينظر المسلم إلى شدة بطش ربه وإلى قوة انتقامه وإلى سرعة حسابه فيتقيه بطاعته ويتوقاه بعدم معصيته فيكون هذا أدبا منه مع الله إذ ليس من الأدب عند ذوي الألباب أن يتعرض بالمعصية والظلم العبد الضعيف العاجز للرب العزيز القادر والقوي القاهر وهو القائل “وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال”.سورة الرعد أية رقم (11) والقائل (إن بطش ربك لشديد) سورة البروج أية رقم “12” والقائل (والله عزيز ذو انتقام).
وينظر المسلم إلى الله عز وجل عند معصيته والخروج عن طاعته وكأن وعيده قد تناوله وعذابه قد نزل به وعقابه قد حل بساحته كما ينظر المسلم إليه تعالى عند طاعته واتباع شريعته وكأن وعده قد صدق له وحلة رضاه قد خلعها عليه فيكون هذا من المسلم حسن ظن بالله ومن الأدب حسن الظن بالله عز وجل إذ ليس من الأدب أن يسيء المرء ظنه بالله تعالى فيعصيه ويخرج عن طاعته ويظن أنه غير مطلع عليه ولا مؤاخذ على ذنبه والله يقول “ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون. وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتهم من الخاسرين” سورة فصلت أية رقم “2223” .
كما أنه ليس من الأدب مع الله أن يتقيه المرء ويطيعه ويظن أنه لا يجازيه بحسن عمله ولا هو متقبل منه طاعته وعبادته وهو سبحانه يقول “ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون” سورة النور أية رقم “52” ويقول سبحانه “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” سورة النحل أية رقم “97” ويقول سبحانه “من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون” سورة الأنعام أية رقم “160” .
إن شكر المسلم ربه تعالى على نعمه وحياءه منه عند الميل إلى معصيته وصدق الإنابة لديه والتوكل عليه وسحن الظن به في انجاز وعده وإنفاذ وعيده بمن شاء من عباده هو أدب مع الله سبحانه وتعالى هذا وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

قد يعجبك ايضا