العاصöمة .. نتف مöن مشاهداتö زائöر
علي بارجاء


صنعاء عاصمة اليمن, عرöفت بأنها مدينة (سام) بن نوح, أو مدينة (أزال) بن يقطين حفيد سام بن نوح, ما يعني أنها مدينة قديمة, إذ بنيت بعد الطوفان. وقöدمها يشير إلى عراقتها وحضارتها, ولأن لا معنى لقدم مدينة وقدم حضارتها إلا بعراقة الإنسان فيها, فهو الذي يؤسس للحضارة, ويشيد البنيان والعمران المادي والروحي. أريد أن أقول: إنه ينبغي أن يكون الإنسان اليمني أكثر حضارة وتمدنا من غيره في كل أصقاع العالم, ذلك أنه في صنعاء عاصمة اليمن, يعد أول من أنشأ مدينة في الدور الثاني لحياة الإنسان على الأرض بعد الطوفان.
وصنعاء اسم مشتق من الفعل (صنع) في اللغة اليمنية القديمة, بمعنى: حمى أو حصن. ولا يزال هذا الفعل سائدا مستعملا في لهجات اليمن المعاصرة, ففي حضرموت, يقولون: (صنع الباب) إذا واربه, فلا يرى من يمر من أمامه من يجلس في غرفة ونحوها. ومنه (المصúنعة) وهي القلعة الحصينة المبنية على ربوة ونحوها.
أما (العاصمة) التي تطلق على حاضرة الدولة, فلا أظن إلا أنها مشتقة من (العöصمة), فهي فاعل بمعنى مفعول, كما يقرر أهل اللغة, والعاصöم: المانع الحامي, والعاصمة: المانعة الحامية.
ليس هذا مقال في اللغة, ولكنه استهداء بها, لقياس مدى التطابق في الواقع بين الاسم والمسمى, وحتى لا نستعيد إلى الذاكرة قول الشاعر ساخرا وناقدا: (أسماء مملكة في غير موضعها * كالهرö يحكي انتفاخا صولة الأسدö), إبان ضعف الدولة العباسية, وتفرط عقدها في أواخر عهدها.
تشير اللغة في كل ما أوردته من أسماء, إلى أن (صنعاء) لم تكن يوما ما, على مدى قرون من الزمن, اسما على مسمى, فلم تستفد من قöدمöها وعراقة حضارتها لتكون شاهدا على مدنيتها فتتفوق على عواصم الدول الأخرى, ولم تكن مدينة حصينة كما ينبغي, ولم تكن منيعة محمية كما ينبغي, فلا يصل إليها من يريد تدميرا أو تخريبا فيها, فتعيش في هدوء وأمن واستقراء, فقد جعلها الروائي زيد مطيع دماج مدينة مفتوحة¿ لكنها فتحت أبوابها لمن يريد خيرها, ولمن يريد بها شرا سواء بسواء.
أسوأ ما شاهدته وعايشته في صنعاء هو: إطفاء متكرر للكهرباء, وهذا أمر لا يمكن أن يحدث في عاصمة الدولة التي هي واجهة الدولة, وفيها يسكن ممثلو دول العالم! كان على الحكومة أن تفعل أي شيء, في سبيل عدم انطفاء الكهرباء, ولو على حساب أمور كثيرة يبدد فيها الأموال الطائلة, ولن يضر الدولة أن تتأخر تلك الأمور حتى استكمال الحد الأدنى من البنية التحتية التي تأتي الكهرباء في أولوياتها. وأنا أتجول في شوارع صنعاء لم أستطع احتمال أصوات مولدات الكهرباء المنتشرة أمام كل المحلات التجارية, إنها أصوات تصم الآذان, وتزعج العابرين, بله الساكنين في العمارات الواقعة على تلك الشوارع.
على الرغم من إنشاء الجسور, إلا أنها لم تحل مشكلة الازدحام, ولا زال الاختلاط بين المركبات وبين البشر العابرين, حين أفكر في قطع الشارع كنت أبحث عن الطرق المخصصة لعبور المشاة ذات المستطيلات البيضاء, فلا أجد لها وجودا, الناس تقطع الطريق من حيث أرادت, وهذا لا يربöي الإنسان على سلوك القواعد والأنظمة واحترامها.
لم أشاهد خرقا وتمردا على الأنظمة والقوانين والقواعد التي ينبغي أن يسلكها سكان المدينة كما رأيت في صنعاء, وتنبöه أحدهم إلى سوء سلوك, فيرد عليك بثقة وبöفم ممتلئ: مشöي حالك, أنت في اليمن!
تلك نتف من مشاهدات كثيرة لزائر, ولا سبيل لسردها كلها هنا. فالسلام على اليمن من كثير من أبناء اليمن الذين لا يريدون أن يكونوا أهل حكمة.
