المجنون النبيل

الدكتور/ حسين العواضي

 - ? صنعاء المدينة التي حاصرت الحصار ودحرت المغول والتتار وقهرت الغزاة الأشرار مدينة الخيال والحقيقة الجوهرة النادرة الأنيقة والتحفة الرائعة العريقة.
? كم بها من
? صنعاء المدينة التي حاصرت الحصار ودحرت المغول والتتار وقهرت الغزاة الأشرار مدينة الخيال والحقيقة الجوهرة النادرة الأنيقة والتحفة الرائعة العريقة.
? كم بها من حكايات وأساطير وغرباء ومشاهير مدينة الأحلام والاعلام .. والمحبة والسلام مدينة تكتب عنها الأقلام فلا تمل وتحكي عنها الروايات فلا تكل.
? هذه واحدة من حكاياتها الساحرة .. حكاية أشهر وأجمل .. وأنقى مجانينها .. يوم كان يقطنها مجانون محترمون ليس من هذا الطراز الناطح الشاطح المجذوب المرعوب الذي ينصب الحواجز والمتارس ويرعب المساجد والمدارس.
? يحيى عزيز النبيل الوديع/ المجنون الذي أحبه الجميع الصغار والكبار السكان والزوار أحد علامات حارة – العلمي – الحارة التي تحتل قلب صنعاء العتيقة خرج منها العلماء والأدباء .. والعباقرة والشعراء .. والأحرار والنجباء وكلهم في الذاكرة أمراء .. غير أن العزيز يحيى يحتل السنام يا سادة ياكرام.
? لطالما سحرني هذا الرجل ورفض مغادرة الذاكرة المرهقة التي غادرتها مشاهدة كثيرة.. من زمن الصباء والطفولة البريئة في الحارة الغالية الأثيرة.
? ويأتي شهر رمضان الفضيل ليستعيد شريط الذكريات على مضمار السباق الطويل بين صرحة العلمي وسوق باب السبح- يحيى عزيز يقود السباق والأطفال يتبعونه.. يحيونه.. ويصفقون لخطواته الجامحة.
? أجمل.. وأطيب.. وأرق مجانين صنعاء القديمة التي كان كل مجانينها سعداء بمقاييس هذه الأيام العابسة قبس من ضوء المدينة النقية البهية مجانينها عقال.. ولصوصها شرفاء.. وتجارها أمناء.. وعقالها لا يخدعون ولا يكذبون.
? قلت لصديق حميم عاش طفولته مثلي في منزل بهيج بالقرب من يحيى عزيز ما رأيك في إنتاج مسلسل درامي.. عن هذا المجنون الرائع ألا تستحق سيرته المدهشة أن توثق.. وقصة حبه العجيبة أن تصدق.
? وهل من فارس أجدر منك يتصدى لهذه المهمة أنت إعلامي قديم.. وجار قريب انظر إلى هذه المسلسلات الهابطة التي لا طعم لها ولا لون.. مجرد فراغ فضائي يحشونه بالإعلانات السامجة.
? أعجبته الفكرة وطرب لها لكنه كعادته مغرم بالغوص في التفاصيل الصغيرة سنواجه مشكلة ليست هينة من يا ترى يمكنه أن يلعب دور يحيى عزيز وينفرد بالبطولة.
? ولم أترك لحيرته أن تطول.. وهل هناك من هو أبدع.. وأجدع.. واشجع منك للقيام بهذا الدور المهيب.
? إن فيك من يحيى عزيز طيبته.. وضحكته تقاسيمه شقاوته خجله كرمه وطول أنفه.
? والأهم أنك عشت ربيع أيامك.. وصيف طفولتك بالقرب منه ألم يمنحك ذات يوم بقشة أو بقشتين, ويطبع على رأسك الأشعث قبلة أو قبلتين!.
? كلنا كنا نحبه كما يحبنا وكنت أكثرنا في رجاء كرمه وعطاياه حين نهدد أبناءنا.. وأمهاتنا حسنا اليوم لا مصروف ولا جعالة يبارك الله في يحيى عزيز ويزيد ماله.
? كان يحيى عزيز يجمع ما يجمع من البقش والريالات التي يتصدق بها التجار والميسورون ويوزعها على زملائه المجانين وعلى المحتاجين.. والأطفال المتواجدين.
? كل صباح يذرع المسافة بين الحارة والسوق في خطوات موسيقية متميزة على عجلة من أمره لم يعرف عنه أنه آذى إنسانا أو حيوانا أو أقتلع غصن شجرة نظيف أليف كنسمة حانية تنحني لها الرؤوس وتفرح لها القلوب والنفوس.
? ولن أزيد حتى لا أحرق تفاصيل المسلسل الموعود, الذي ينتهي بالمشهد المهيب لجنازة العاشق النبيل حين خرجت صنعاء بسوادها ونصابها تنعيه وتبكيه كانت تدرك بغريزتها الحادة أنها تواري في – خزيمة_ آخر المجانين المحترمين.
? بعد يحيى عزيز تصوم المدينة الفاضلة في الظلام تنام قلقة.. حزينة.. متوجسة كثر فيها المجانين الذين يملكون .. السلاح.. والمال.. والإعلام.
? ووحدها العقول لا يملكونها وإن ملكوها.. فإنهم لا يحسنون استخدامها.
? رحم الله يحيى عزيز.. ورمضانكم خير وبركة وصحة وسعادة.. وكل عام وأنتم إلى الله أقرب.

قد يعجبك ايضا