ليلة في الطويلة
يكتبها: علي بارجاء

في ست من الساعات لم ينقطع وابل الرصاص وقذائف الآربي جي من اتجاهات مختلفة, يتخللها انفجارات كان أشدها انفجار سيارة مفخخة, في هدأة من ليل الجمعة إلى صبيحة يوم السبت الرابع والخامس والعشرين من شهر رجب الحرام, وفي ظلام دامس بلا كهرباء.
لو لم يمض على هذا الحدث أسبوع كامل, ولو أن العالم قد علم بها, لظن الناس أن ما حدث كان في مدينة برلين أيام الحرب العالمية الثانية لكن الناس قد علموا أن ما حدث كان في أكثر مدن اليمن حبا للسلام والأمان, إنها مدينة سيئون الطويلة بحضرموت.
ما حدث كان معركة بكل معنى الكلمة, معركة تجسد فيها كل معاني الحقد على الحياة, وعلى كل شيء جميل فيها. لم أكن أتوقع أن تشهد مدينتي يوما من الأيام حدثا كهذا, ولكنه حدث, شيخ تسعيني أقسم بالله أن سيئون لم تشهد ليلة مثلها من قبل.
في تلك الليلة لم يخطر على بالي شيء غير أغنية الشاعر حسين أبوبكر المحضار التي تغنى بها كثير من المطربين, (ليلة في الطويلة), إنها ليلة في الطويلة, ولكنها أقبح وأسوأ الليالي, ورحم الله المحضار الذي كانت ليلته في سيئون ليلة من الحب والعشق والجمال, فجعلها أعداء الحياة ليلة للموت والدمار, ليلة للخوف والرعب والإرهاب.
كل بيت في المدينة لم ينم ليلتها, بل هي الليلة الوحيدة منذ أن دخل الإسلام إلى حضرموت لم تصدح فيها كثير من المساجد بالأذان الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لبلال: (أرحنا بها), فهل ظن هؤلاء الإرهابيون أنهم أراحونا بلعلعة رصاصهم ودوي انفجاراتهم¿! وهل ظنوا أن بغزوتهم تلك قد حرروا فلسطين والقدس الشريف من الاحتلال الإسرائيلي¿!
ظلت مدينة سيئون بخاصة وحضرموت بعامة آمنة هادئة بعيدة عن كل الصراعات السياسية التي شهدها الجنوب سابقا لم تسمع فيها طلقة رصاص واحدة, ولم تعرف ذلك إلا بعد الوحدة, بعد أن ضعف الأمن, وتهاونت الدولة في حيازة السلاح, وأصبح من هب ودب يمتلك سلاحا, وأصبح الجبناء ينالون من الشجعان بالغدر والغيلة.
كان الرفاق من اليمين واليسار إبان العهد الاشتراكي يحسمون صراعهم بعيدا عن حضرموت, ولم يجسروا أن يمتدوا بها بعيدا عن عدن والمحافظات المجاورة. فلم يكن الحضارم يوما أهل صراع, عدا بعض منهم ممن أصيبوا بداء السياسة وأمراضها, وهؤلاء لا يزالون يشوهون حضرموت والحضارم إلى اليوم.
الحضارم لا يعرفون إلا البناء, ولا يدúعون إلا إلى الحياة, وها هي آثار جهودهم ناطقة في كل البلدان التي هاجروا إليها, وهذا دليل وشاهد عليهم.
وحتى حين أراد ثوار الجبهة القومية من الحضارم الاستيلاء على حضرموت بعد الثورة, فقد استسلمت الدولة الكثيرية والدولة القعيطية من غير أن تسمع فيها صوت رصاصة, ومن غير أن تسال فيها قطرة دم واحدة. لقد كانت سلطتا الدولتين حريصتين على أمن البلاد وسلامة أرواح شعبها, فاستسلمت ورفعت الراية البيضاء, وهكذا هي حضرموت منذ أن آمنت بالرسول ودخلت الإسلام بسلام ومن غير حاجة إلى أن تجعل من أرضها ساحات للمعارك التي تتعارض مع السلام والحياة.
وأيا كان المهاجمون, وأيا كان سبب الهجوم على سيئون, وسواء أكان هجوما مدبرا, أم كان هجوما إرهابيا, فلم يحقق غير الدمار والرعب, وسواء نجح في إرسال الرسالة أم فشل, فالحدث كان بعيدا عن مركز الدولة ومصالحها الرئيسة الواقعة في العاصمة التي هي مركز الصراع بين الفرقاء, وليست مدينة سيئون.
ويظل الرأي العام يتساءل: كيف وصل هؤلاء إلى سيئون¿ ومن سهل لهم الوصول إليها¿ ومن أين جاءوا بوقود سياراتهم التي تزيد على الثلاثين, في الوقت الذي نبحث عن لتر واحد يوصلنا إلى مقر أعمالنا فلم نجده إلا بشق الأنفس¿
إن ما حدث في مدينة سيئون يذكöرنا بالمثل الحضرمي: (المرض في الثور ويكوون للحمار).
