الحاشية والمتن فى رواية “ظلمة يائيل”

شوقى بدر يوسف*


فى روايته “ظلمة يائيل” يستخدم الكاتب الروائى محمد الغربى عمران آلية تجريبية جديدة فى ثنايا نسيج روايته جاءت على شكل المتن الروائى المنبثق منه حاشية خاصة لها استقلاليتها الشكلية والمستقلة تماما عن بنية النص الأصلى فى مادتها وموضوعها والبعد السردى القائمة عليه والحاشية هنا ليست للشرح والتأويل وتيسير ما يصعب فهمه أو شرح ما استغلق من النص ولكنها جاءت بمثابة نوع من التقديم الخاص لبنية النص الروائى من خلال قصة قصيرة تبدو فى استقلاليتها عن النص الأصلى بمثابة حاشية شكلية لها جمالياتها الخاصة فى الشكل والمضمون وقد وضعها الكاتب واستخدمها بطريقة فنية لتصاحب المتن الروائى فى رحلته الفنية وتواتر أحداثه وحضور شخصياته الفاعلة داخل النص. ولكل من المتن والحاشية راو خاص به وأحداث يتواتر فعل الحدث فيها بصورة مستقلة وحبكة فنية مستقلة تماما عن بعضها البعض. وتمثل الحاشية فى حد ذاتها قصة قصيرة تخللت النص الروائى فى تجريب غير مسبوق للكاتب أضاف إلى الرواية أبعادا رؤيوية فى الدلالة والتأويل وفى توقيت تواجده فى نسق النسيج الروائى. فالراوى فى المتن الروائى هو جوذر وقد عرف نفسه فى الاستهلال الأولى للمتن الروائى بقوله “: أما بعد.. أنا جوذر بن….. عشت كما شاءت المشيئة”. (الرواية ص13). أما الحاشية النصية فكان راويها هو أحد أفراد لجنة وزارة الثقافة القادمة لجرد مقتنيات “الدار الوطنية للمخطوطات والوثائق” ولم يسمه الكاتب. وهو الذى يستهل حاشية النص بهذا المدخل القصصى الوصفى فى زمانه ومكانه”: العاشرة صباحا جموعة عمال الأرصفة.. باعة يفترشون نهر الشارع.. مكبر صوت عربة جمع النفايات.. مقاه يحتل زواياها عاطلون.. أسراب المتسولين.. دخلنا باب اليمن.. دكاكين عتيقة.. شوارع ضيقة.. مبان موغلة فى القدم.. حاذينا جدار أسود للجامع العتيق ينتهى عند شجرة تين هرمة. بوابة حديد دهنت بلون رمادى.. دخلنا عبر فرخ البوابة.. إلى يميننا غرفة حراسة من طوب عار.. جندى لا يتجاوز الخامسة عشر
ماذا تريدون¿
أجبته بصوت باسم:
صباح الخير.. نريد مدير الدار.
لم يأت بعد.
سننتظره.
ممنوع الانتظار هنا!
وقفنا حيث كنا. عاودت حديثى للجندى:
نحن فى مهمة.
من أنتم¿
نحن لجنة من وزارة الثقافة”. (حاشية الرواية ص14/15)
وتتواتر أحداث الحاشية فى نقاط محددة من نسيج الرواية طبقا لما جاءت عليه داخل النص. حيث يتداخل الكاتب برؤيته النصية بين ما ورد بمتن الرواية باعتبارها مخطوطا قديما يحمل نصوصا محكية من التاريخ القديم لليمن فى أقسامه الثلاث ومحكياته السردية المتخيلة التى جاءت عليه فى نسيج النص الروائى والذى كان محفوظا فى إحدى صناديق المخطوطات بالدار الوطنية للمحفوظات والوثائق وما ورد بالحاشية المصاحبة لها والكاشفة عن رغبة أحد أعضاء لجنة جرد الدار قراءة هذا المخطوط التراثى المدون فيه حكاية “ظلمة يائيل” بمقاطعها الثلاث لولعه الخاص بمثل هذه القراءات ومحاولته الوصول إلى هذا المخطوط بأى وسيلة عندما اكتشفه فى إحدى صناديق المخطوطات المحفوظة وهو بعد يزيد عنصرى التشويق والإثارة على نسقى المتن والحاشية فى سردهما المتخلل تخوم الرواية والحبكة الفنية التى طالت كل منهما على حده. إضافة إلى استخدام الكاتب فى تيمة الحاشية معادلا موضوعيا مستقلا عن المعادل الموضوعى للرواية (المتن) وهو الفساد السائد فى المسار الثقافى الحالى من خلال سرقة المخطوطات والمتاجرة بها بطرق غير شرعية. وربما كانت الاشتغال على موضوع سرقة المخطوطات وما يدور حولها من فساد فى نسيج الحاشية ومهنة الراوى جوذر الشخصية الرئيسية داخل متن الرواية السردية يتماهيان ويتداخلان فى جوانب صنعة واحدة هى صنعة الوراقين ويتقاطعان ما بين المتن والحاشية فى الدلالة الحاكمة لعنصر القراءة وعنصر القص. فقد سارت الحاشية على نسق القص القصير الحامل لأزمته الخاصة به داخله ولكنه لا ينفصل أبدا عن محور النص الروائى الأصيل من ناحية إثارة التشويق إليه ومحاولة القارئ الوصول إلى ذائقة تتيح له الاستمرار فى قراءة المتن والاستمتاع بفعل القراءة نفسه للوصول إلى ما يتسيد النص من وقائع ومحكيات وأحداث تبدو غرائبية فى بعض الأحيان فى العديد فى تناص للعديد من النصوص الروائية التى جاءت على نفس الشاكلة خاصة تلك النصوص المعتمدة على موضوعات المدونات والمخطوطات. وهى كثيرة فى عالم الرواية سواء الرواية العالمية أو العربية نجدها فى على سبيل المثال فى تونس فى روايات “حدث أبو هريرة .. قال” لمحمود المسعدى و”النخاس” لصلاح الدين بوجاه و”المعجزة” لمحمود طرشونة وفى الأردن فى رواية يحيى القيسى “باب الحيرة” ومؤنس الرزاز فى روايته “أحياء فى البحر الميت” وفى رواية “عزازيل” ليوسف زيدان وفى رواية “سمرقند” لأمين معلوف حيث يشير الراوى فيها إلى أن “فى أعماق المحيط الأطلسى مخطوط

قد يعجبك ايضا