صنعاء بلا (صنعة)!!
جمال الظاهري


هل مات الفجر في عيون محبيه¿ …. هل دنت ساعة الحقيقة¿.. كأني في ملحمة أشواق ضجت من طول الصمت وتوشك أن تنفجر في الهواء.
الموت هو السلعة الوحيدة التي يتقنها المواطن اليمني .. إفشال بعضنا البعض هو ميزة أخرى تعلمناها من الحداثة, فعله الجديد مع القديم ويفعله القديم مع الجديد .. تفعله الأحزاب مع بعضها البعض.. باستماتة يسعى كل طرف لإفشال الطرف الذي لا يتفق معه مع أن الجميع يدرك أنهم جميعا خاسرون لأن الخسارة المباشرة تصيب الوطن والأخلاق والقيم التي تربو عليها ..
صار الجميع يأكل ويتنفس ويهذي سياسة يتغذى وينتج سياسة ملؤها الحقد على كل شيء فيما الحديث عن الإنتاج وعن العمار طقس لا مكان له في أعرافهم أو في قواميسهم .. الجميع يريد حقوقه – منظمات مجتمع نظام دولة كل يريد حقوقه مع الأرباح فيما الإنتاج صفر .. فلم نعد نسمع عجلة لمصنع حتى ما كان موجودا من أدوات الانتاج إما معطل أو يعمل بأدنى مستويات الإنتاج..
يبدو أن إرث “مسعد ومسعدة” سيظل يلاحقنا إلى آخر رمق .. علينا أن نسلم بأن دلالة الاسم ليست تعبيرا عن حقيقة ما يشعر به صاحبه .. لأن الثابت في يمننا على العكس من ذلك تماما .. فسعيد يعني حزينا وصادق يعني كاذبا وتقي يعني فاجرا وصالح يعني طالحا ومسرور يعني مغموما وأمين يعني خائنا وهكذا.
أسفل النموذج
ها هي مدينة (آزال) وقد اتسعت مساحة اسمها في عصر (الفدرلة) تعيش ساعات وليالي وأيام القرن الحادي والعشرين مخلفة وراءها تلك الأبواب والأسوار هاهي بعد كل هذه السنين واقعة أسيرة فكرة النوم مبكرا فيما أسقطت الجزء الثاني من (برستيجها) اليومي حين ذاك وهو الصحو في البكور ..
هاهي تستعيد مصابيح الزيت من بئر (الجمل والدول والساقية) ها هي تتلمس قسمات وجهها من جديد بأصابعها بعد أن كانت قد ألفت أن تراه على ضوء الكهرباء هاهي تشتاق من جديد لأولئك الزوار من الغرباء وللكنتهم ولغاتهم المتنوعة والمتعددة, وتستقبل زوارا آخرين يأتونها ويمخرون شوارعها في النهار والليل حاملين الموت بأيديهم, يوزعونه يمنة ويسرة على من يشاءون ..
ها هي تزيل تبرجها قليلا قليلا بعد أن يئست من قدوم ذاك الرسام القادم من بلاد الغرب البعيد وتسدل ستارا سميكا كي تغطي تشوهات وجهها خوفا من انكشاف خبر فقدانها لعذريتها المهدرة بقنابل الموت الآدمية وبنادق الأشباح الذين استوى عندهم الليل بالنهار وما عادوا يخشون من العقاب بعد أن خبا قبس العلم والمعرفة وشيم الوفاء والشرف من أبناء اليمن الذي قيل عنه خطأ سعيد.
…..
نعم يا حورية اليمن أعذرك إن أعدتö المصون وأسدلتö الستارة على جسدك المشوه في هذا الزمن الغادر الذي لا يؤمن مكر لأهله ولا يوثق في عهدهم .. أيامه دوارة كأنها رحى تعمل بالطاقة النووية فلا توقف ولا استبصار ولا رؤية ولا مراعاة لضعيف ولا لطفل ولا لشيخ ولا عرف ولا عادات من تلك التي تربينا وقرأنا وعشناها في المدى القريب والبعيد..
– دارت الأيام وتبدل الحال ونزغ الشيطان فعاد قاطع الطريق ومنتهك الحرمات وخائن الأهل وبائع الدين والوطن..
صنعاء اليوم لا تبعد كثيرا عن صنعاء الثلاثينيات من القرن الماضي فليلها حالك الظلمة وشوارعها تسرح فيها الكلاب الضالة وصارت مرتعا للقناصة ودعاة الفتنة وعرابيد الفساد.. عاد القتل ببشاعته ليحتل أرصفة الشوارع وزوايا الحارات…
صنعاء وسائر شقيقاتها من حواضر المدن اليمنية اليوم تتشظى من جور أدمغة الجهال فها هي من جديد تتعرض للخيانة من قبل من أحسنت إليهم ونبتت أجسادهم من خيراتها, هاهي تعاني من جور المتآمر والحاقد وناكر المعروف والجميل هاهم دعاة الفرقة والاحتراب عبدة القصور ودعاة المناطقية الحاقدون ينهشون عفتها من جديد ..
– كم كنتö فاتنة يا صنعاء في نظري وكم تخيلت لكö من الصور الزاهية وكم سبحت في تاريخك الأصيل مع رفقة من الأصلاء يستحضرهم العقل كلما قرأت ماضيكö في كتاب أو ما دونه الرحالة من العرب وغيرهم.
كم أتوق إلى ما سمعته عن وفائك للمحبين إلى متى ستتحملين جحود من أنكر نعمتكö عليه واحتضانك له من أبناء هذا اليمن الذين يتلونون ويكفرون بالخير ككفرهم بالشر, كم أنت عظيمة في تسامحك مع المرجفين كم أنتö مظلومة من بعض البهائم السائبة التي لا ترعوي ولا تعرف حدودا للخصومة.
إيه يا صنعاء من غدر السنين ومن سقم الجهال بماضيك التليد كم تحملت وكم من الخيانات وطعنات الغادرين إلى متى صبرك على هؤﻻء المعوقين¿ كيف لك أن تسامحي من شوه وجهك الجميل وأظلم ليلك بعد أن كان منيرا كيف ستداوين جراحك وأنت في حكم اﻷسير¿ كيف تحيين وفي جنبيك قد أشعل للقتل فتيل..¿ كيف ستسيرين واﻷشواك تزرع في كل طرقاتك..
Aldahry1@hotmail.com
