الزمن التعيس
محمد المساح
كانوا إذا أقبل الليل يعرقون ما في الجيب.. يلتمون ثلة في زاوية لا يغلق بابها.. يولعون شمعة ضوؤها وديع لا تبهر العين.. ويحضرون كتلي الشاهي الأحمر.. يتبادلون الأنخاب في داخلهم يتراقص حلم الحياة الغامض.. يفتحون أفواههم إلى آخر مدى.. ضاحكين.. مجلجلين الضحكة في وجه الليل.. وكان الليل يضحك معهم.. يشاركهم حديثهم وهم يتبادلون الحكايات البسيطة.. ولم تكن الهموم حينها قد سميت هموما.
حين يجد الإنسان أن الزمن ليس زمنه يهيم في معترك الوجع والذي ينشب أظافره في الأحشاء.. هذا النفر.. الفرد البعض.. والحنين يسري في الشرايين ومسالك الروح وقدة تلتهب إلى زمن عروة بن الورد والشنفرى والأزدي الشعراء الصعاليك الذين كانوا يتقاسمون الماء والزاد.. حين يسكنه الحنين إلى تلك الأزمنة النقية نقاوة الماء الزلال الهاجر العذب ذاك الإنسان البعض والروح تبسل في قيض التسيؤ والتسليع لا يجد مناصا سوى النسك والتوحد ومناجاة النفس.. عسى ولعل استعادة تلك الأشياء المفقودة في الزمن المستحيل.. ويا له من زمن تعيس ذلك الذي يحتاج إلى الأبطال كما يقول «بريخت» وأبي قال لي:
إنني وعلي
نركب الهيدلا
ونغني
فنصطاد مستقبلا.