مدن جديدة .. في طريقها للعشوائية

محمد العريقي


 - 
من واجب أي مهتم بالشأن الاجتماعي أن يتساءل عن مخرجات العلم والتعليم , وهو يشاهد بأم عينه الكثير من الأمور الهامة ليس فيها انعكاس ايجابي كبير على التط
محمد العريقي –

من واجب أي مهتم بالشأن الاجتماعي أن يتساءل عن مخرجات العلم والتعليم , وهو يشاهد بأم عينه الكثير من الأمور الهامة ليس فيها انعكاس ايجابي كبير على التطور المتسارع على مجمل أنشطة حياتنا التي تفتقد إلى النظام والتنظيم, الذي يلمس فقط في المجتمعات المتقدمة وحتى النامية التي استفادت من العلم والتعليم بحق وحقيقة .
ومن حقنا أيضا أن نتساءل عن بصمات الحكم الرشيد والتنمية المستدامة ودور الحكومات المتعاقبة وبرامج الأحزاب خلال الفترة الماضية وحتى الآن إذا كانت الكثير من الظواهر تؤكد على أن العشوائية ضاربة اطنابها كل أكثر المجالات .
عندما حشرت في هذه المقدمة ,العلم والتعليم ومسؤولية الدولة والمجتمع, الذي يؤطر تحت مفهوم ( الحكم الرشيد ) فإنني بذلك أتحسس دورهما في النهوض والتقدم المدروس في بلادي العزيز , لا شك أن الكثير منا يتفق ان تأثيرهما ضعيف جدا على مسار حياتنا العامة, ولنأخذ مثلا فقط التخطيط العمراني في المدن الرئيسية أو المدن الجديدة التي تتوالد كما تتوالد الجراد على محاذاة الطرق الطويلة والقصيرة وكلها تسير باتجاه العشوائية والإرباك .
وإذا كنت هنا ادلل ببعض الظواهر عن سوء التخطيط العمراني والحضري والريفي , فان ذلك جزء صغير من حكاية العشوائية والفوضاء التي يعلم بأسباب سرها وأسرارها الراسخون في العلم , ومن يملكون ملفات التخطيط واتخاذ القرار , التي تنفذ وتشرف وتوافق على المشاريع وتصرف أموال الشعب بناء على رأيها وتوجيهات من أتمنى عليهم قيادة وإدارة هذا البلد .
انظروا وتمعنوا في مشهد فوضى وعشوائيات التخطيط الحضري في المدن الرئيسية دون استثناء , .. هل هناك من هو مرتاح ومقتنع بمستوى التخطيط للشوارع والساحات , والمواقف , التي تستوعب حركة السير والنمو المتسارع سكانيا وما يترتب عليه من زيادة في السيارات والمركبات ..ووو¿ هل روعي مسارات محددة ومخصصة للقطارات والمترو ( مستقبلا ) وللحافلات والباصات والدراجات ومحطات الوقوف , كما هو معمول في كل الدول ¿ وهل روعي حق المواطن في تخصيص مساحات كافية للمتنزهات , ومنشآت الخدمات التعليمية والصحية وووو.
أما إذا وقفنا أمام وضع التخطيط العمراني في التجمعات السكانية الجديدة التي تنتشر شرقا وغربا وكانت معروفة انها مناطق ريفية , بدأت صغيرة, بمحلات محدودة ومطاعم صغيرة على جوانب الطرقات الرئيسية, الآن أصبحت بالآلاف وليس فيها أي ملمح أن تكون مدن حديثة, بل هي مرتع للعشوائية , تفتقد لأي مقومات التخطيط الحضري من بنية أساسية – كالمياه والمجاري والشوارع والساحات, والآن الكثير من سكان المدن الرئيسية يشترون الأراضي ويقيمون المباني في هذه التجمعات هروبا من غلاء الإيجارات أو بحثا عن فرص عمل, ملتحقين كغيرهم لهذه لدائرة العشوائية والفوضاء .
في ظل هذه الوضعية , لاشك أنه يثار تساؤل كبير ومؤسف : هل حقا لدينا كوادر هندسية ابتعثت للخارج للدراسة , ولدينا عشرات الجامعات تضم العديد من كليات الهندسة يتخرج منها المئات من المهندسين منهم متخصصون في تخطيط المدن .
اين عبقرية هولاء المهندسين ¿ أم أن هناك دورا للجهات المعنية تجهيل وتجاهل مثل هذه الكوادر حتى استسلمت للعشوائية , كما هو الحال في الأمور الأخرى ¿
والسؤال الثاني .. أليس الحكام والمحكومين وأصحاب القرار , يمرون من أمام هذه التجمعات والمدن السكانية العشوائية .. وهم من زاروا الكثير من مدن رئيسية وريفية في العديد من الدول وشاهدوا ما يصنعه النظام والتنظيم ¿.. إلا يحرك فيهم مشاعر الرغبة أن تكون اليمن حتى بمستوى قريب لتلك الدول ¿
هم بمقدورهم عمل ذلك , والمسالة ليست معقدة وصعبة ان نكون كالآخرين, خاصة في مجال التخطيط العمراني, فالأرض هي الأرض , يمكن تشكيلها كيفما تريد, المشكلة في ثقافة التخلف وأنانية الأنفس , وإدارة الجهلاء التي تعكس عشوائية التفكير, التي تنعكس بالتأكيد على عشوائية التخطيط .

قد يعجبك ايضا