السياسة.. هاجس العامة!!

جميل مفرöح

 - * أبدأ ما أقوله هنا بتساؤل بات من الأهمية بمكان نظرا لما أصبح يشهده الواقع اليمني اليوم من انشغال شبه مطلق أو حصري بشؤون السياسة وهمومها ومتغيراتها وآث

* أبدأ ما أقوله هنا بتساؤل بات من الأهمية بمكان نظرا لما أصبح يشهده الواقع اليمني اليوم من انشغال شبه مطلق أو حصري بشؤون السياسة وهمومها ومتغيراتها وآثارها.. ذلك السؤال يتمثل في: هل بالفعل أصبحت السياسة الشغل الشاغل لكل من هو معني بها ومن هو غير معني¿ وهل بالفعل لم يعد هناك انحصار للهم السياسي في نخبة أو نخب معينة هي نخب السياسيين وقليل من المثقفين والمطلعين على الشؤون السياسية وهمومها من المتخصصين والدارسين والمحللين والموظفين الذين تتعلق وظائفهم بشكل مباشر بالعمل السياسي¿ فمن الطبيعي أن لا يكاد يتجاوز ذلك الهم هذه الفئات أو العينات من البشر ليس في مجتمعنا فحسب وإنما في أي مجتمع.. فلكل ما يشغله من الهموم الحياتية المختلفة ولا يكاد يلتقي عند هم السياسة إلا قلة قلية وفيما ندر يتطلب الأمر استجلاب واستحضار هذا الهم!!
* اليوم وفي ظل الراهن السياسي الذي وصلت إليه البلاد والذي يصح باعتقادي وصفه بالمقيت والمحزن والمؤلم لو دققنا التأمل والمتابعة لوجدنا فعلا أن السياسة باتت تحتل أماكن اهتماماتنا بشكل مفرط للغاية وأنها أخذت منا كل مأخذ إلى درجة تجاوزت المنطق والمعقول انشغل بها الفلاح عن حقله والدارس عن درسه والعامل والموظف الغني والكادح المتعلم والأمي الرجل والمرأة بل حتى الطفل والطفلة!! في صورة بالفعل مأساوية تبعث القلق مما ينعكس وقد يترتب على ذلك من نتائج سلبية تؤثöر دون أدنى شك في طبيعية سير الحياة المفترضة.. ومستوى الأداء سواء الحياتي والإنتاجي والتحصيلي وكذا الإدراكي لدى مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية والعمرية..
* ولعل الحصيف يدرك ذلك بجلاء وسهولة حين يتابع مستويات تلك المعايير من إنتاج وتحصيل وإدراك وتقدم وتطور ليس على مستوى الدولة وأجهزتها ومؤسساتها وحسب وإنما على مستوى الأفراد أيضا ومن متابعة شخصية لكثير مما يمكن أن يقاس عليه من مفردات حياتية مختلفة لاحظت الكثير من التراجع المخيف الذي ينذر بمشاكل كبيرة لو ظل على ذات النسق التفاقمي الحاصل.. ومما لاحظته مثلا في مستوى التحصيل الدراسي للطلاب في مختلف المراحل وصولا إلى الجامعة والدراسات العليا والملاحظ أن السبب في ذلك لا يتوقف فقط عند أداء المؤسسات التعليمية بل وصل أيضا إلى درجة التفاعل والاستيعاب والتلقي من قبل الطلاب أنفسهم وليس من جهة الدولة ومؤسساتها وحسب وإنما من قل العاملين فيها أنفسهم.. ولكن ذلك بالطبع لا يخلي مسؤولية الدولة والمشتغلين على السياسة في كونهم من يقفون وراء وصول الحال إلى ما هو عليه..
* في ذات السياق يطيب لي أن أستحضر للقارئ الكريم هذه الحكاية التي تؤكد على الدرجة التي المستغربة من الاهتمام بشؤون السياسة وبلاويها وكيف صارت هما مطلقا ومفردة من مفردات الحياة اليوم.. فقبل أيام قليلة كنت متوقفا في إحدى الجولات المرورية منتظرا من رجل المرور الإشارة بإتيان دوري لعبور الجولة وفيما كنت منهمكا في متابعة السيارات التي تمرق من هنا وهناك ومتأملا في التبرم الذي يتطاير من وجه شرطي المرور نتيجة ما يحدثه بعض السائقين من فوضى مفتعلة تناهى إلى مسمعي حوار محتدم للغاية بين أربع نساء متسولات يتقين حرارة الشمس بشجرة بدت منهكة وكأن ما يتصاعد من ذلك الحوار الساخن هو مؤدى ذلك الإنهاك المتبدي منها إلى جانب الظمأ الذي يصرخ من كل غصونها وأوراقها المتدلية.. والباعث على الدهشة والمستجلب للاهتمام والتدقيق والإنصات بتأمل أن ما كان يدور بين أولئك النساء المتسولات كان نقاشا سياسيا بالدرجة الأولى!!

قد يعجبك ايضا