التذاكي على الدولة

وجدي الأهدل

 - الذكاء صفة حميدة وهي صفة مطلوبة بشدة حين يجري الحديث عن بناء الدولة وعن العمل على رقي وتقدم الأمة. واليمني يملك بصورة عامة الذكاء الفطري الذي أتاح له إيجاد الحلول للتغلب على الطبيعة القاسية لبلاده فهو قد شيد السدود لحل مشكلة ندرة المياه وابتكر المدرجات الزراعية لترويض التضاريس الوعرة.
الذكاء صفة حميدة وهي صفة مطلوبة بشدة حين يجري الحديث عن بناء الدولة وعن العمل على رقي وتقدم الأمة. واليمني يملك بصورة عامة الذكاء الفطري الذي أتاح له إيجاد الحلول للتغلب على الطبيعة القاسية لبلاده فهو قد شيد السدود لحل مشكلة ندرة المياه وابتكر المدرجات الزراعية لترويض التضاريس الوعرة. كما أن “روح الابتكار” ظلت موجودة عند الفلاح اليمني وملازمة له عبر القرون وهي التي ساعدته على التأقلم مع البيئة شبه الجافة التي يحيا فيها.
هكذا كان حال الأسلاف وأما اليوم فإن الوضع قد تبدل مع الأسف.. وهذا التبدل لا يعني أن الإنسان اليمني قد صار غبيا ولكنه يعني أن الجيل المعاصر من اليمنيين يتدنى عمدا إلى مستوى “التذاكي” مفرطا على نحو محزن في ذكائه الفطري الموروث من أجداده.. والفارق بين الاثنين جوهري وهو الفارق الذي يخلق المسافة الشاسعة بين الدول الناجحة والدول الفاشلة. الإنسان الذي تحت يده موارد قليلة يمكنه بأستخدام ذكائه أن يدبر أموره كلها وأما نقيضه “المتذاكي” الذي يستغبي الآخرين ويحاول تعظيم مكاسبه على حسابهم فإنه في نهاية الأمر سيعجز عن تدبير أموره مهما كانت الموارد التي يتحكم بها وفيرة.
السواد الأعظم من السياسيين اليمنيين يفكرون اليوم بهذه الطريقة “المتذاكية”. كل واحد يفكر في نفسه أنه سيحقق مكاسب أفضل لو رضخت الدولة لمطالبه.. وكل واحد يحمل مطالب تتصادم مع مطالب الآخرين.. هذا “التذاكي” من جميع الأطراف هو الذي يقود حتما إلى النزاع بمختلف درجاته.. من النزاع اللفظي الناعم إلى النزاع المسلح الخشن.
ما تحتاج اليمن إليه لتجتاز محنتها هو التفكير في الحلول على كل طرف من الأطراف السياسية استخدام الذكاء البسيط لإيجاد المخارج المناسبة له هو أولا وهذا يعني المساهمة في الحل بدلا من تأزيم الوضع. على السياسيين أن يخصصوا وقتا للتأمل لابتكار حلول ذاتية للمشاكل التي يطالبون الدولة بحلها بدلا من الاكتفاء برفع راية المطالب والتفرج على إلى البلد وهو يغرق في أتون الصراعات الدموية.
يعترف نيلسون مانديلا في حوار أجرته معه المذيعة الأمريكية الشهيرة (أوبرا وينفري) أن الانهماك في العمل السياسي طيلة ساعات النهار ويوما بعد يوم قد أعمى بصيرته:
“أوبرا وينفري: في حديث سابق رويت لي أن تجربة السجن قد مكنتك من تحقيق الهدف الأصعب في حياتك وهو التغيير كيف أصبحت إنسانا آخر بعد سبعة وعشرين عاما من الظلم¿
نيلسون مانديلا: قبل دخولي السجن كنت مجرد ناشط سياسي بصفتي عضوا في منظمة قيادة جنوب إفريقيا كنت أعمل من السابعة صباحا وحتى منتصف الليل لم أحظ أبدا بالوقت لأخلو بذاتي وأفكر. في أثناء عملي هذا كنت في قمة الإجهاد العقلي والجسدي ولم أكن قادرا على استخدام الحيز الأكبر من قدرتي الذهنية لكن في زنزانتي المنفردة في السجن وجدت الوقت لأفكر أصبحت أمتلك رؤية واضحة لما مضى ولما هو كائن بالفعل واكتشفت أنني بالفعل ممتن لكل ما مررت به في الماضي سواء في علاقتي بالآخرين أو في علاقتي بذاتي”(مجلة الدوحة العدد74 ديسمبر 2013م ص40).
ما يحدث الآن هو أن الفرق السياسية في البلد تطلق النفير العام وتعلن “التعبئة” الحزبية للضغط على الدولة بغرض انتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب لصالحها. الجميع يفكر في زيادة مكاسبه على حساب الآخرين ولا أحد يفكر في أن يضيف من عنده موارد جديدة يتقاسمها مع الآخرين.
الموارد التي أتحدث عنها ليست مادية فقط إنها بالدرجة الأولى تقع في المجال الأخلاقي كالتسامح وتعزيز روح الأخوة وتقع أيضا في مجال الضمير حيث ينبغي أن يحرص كل فريق سياسي على أن يكون الهدف من وجوده أصلا تقوية الدولة والمشاركة في تأمين سلامة الدولة من الضعف أو الانهيار. وأما إذا كان الهدف من الدخول في العملية السياسية هو الكسب والغلبة والتمترس وراء مطالب معينة فإن هذا هو “التذاكي” المشئوم الذي أضعف الدولة اليمنية خلال الخمسين عاما الماضية وجعلها في حالة من الاضطراب والتداعي وأودى بها إلى العجز عن تحقيق التراكم الإيجابي للمعرفة وسيادة القانون والرفاه المادي.

قد يعجبك ايضا