الاصطفاف الإعلامي المنشود
د. عبدالرحمن محمد الشامي
> لم تصدم الأمة اليمنية من قبل بقدر صدمتها حين شاهدت بعض المقاطع المصورة للجريمة المرعبة التي حدثت الأسبوع الماضي بعد اقتحام مجموعة مسلحة مستشفى العرضي بوزارة الدفاع الأسبوع الماضيوقتلهم الوحشي لعدد من الجنود والأطباء والممرضين والممرضات والعاملين والزوار ولكل من تصادف وجودهم في ذلك المكان أثناء ذلك الهجوم الغادر والجبان ومن هنا فإني لا أزال عند رأيي بأن إيجابيات بث تلك المشاهد مهما كانت مروعة على القناة الفضائية اليمنية أكثر من سلبياتها وما يحسب لهذه القناة أكثر مما يؤخذ عليها في هذا المجال. فمهما وصف الواصفون ومهما حكى لنا الرواة فإنهم لن يستطيعوا -مثلا- وصف ذلك المشهد الذي وقفت فيه الأجساد المرعوبة من الرجال والنساء جنبا إلى جنب وربما استبشروا برؤية “الجندي” القادم في بزته العسكرية لعله جاء ليحميهم وما هي إلا لحظات ويلقي المجرم عليهم قنبلة يدوية أودت بحياتهم ولم تدع لهم فرصة حتى للشعور بهول الصدمة ناهيك عن التساؤل “بأي ذنب قتلت”!!
الممارسة الصحفية المهنية والأخلاقية هي غاية ما ينشده المشتغلون بحقل الصحافة والإعلام ومن ذلك أخلاقيات نشر صور الضحايا وبثها لكن المشهد مختلف هذه المرة فنحن نقف أمام عنف مفرط يتربص بنا جميعا ويهدد حياتنا في الصميم كما أن ما يحدث هو عملية قتل منظم ومنتظم يتجاوز حتى أخلاقيات الحرب المشروعةوقتال عدو لا يخالط المقاتلين أدنى شك في مشروعية قتاله ووجوبه وفق ضوابط شرعية صارمة.
وفي النهاية فإن قرار نشر صور ضحايا العنف وبث مشاهد القتلى والشهداء يظل منوطا بالقائمين على الاتصال وينبغي عليهم أن يمارسوه في ضوء ضوابط أخلاقية آخذين في اعتبارهم متغيرات الزمان والمكان وتطورات الأحداث وهذه العملية تتطلب تمكين الإعلاميين من اتخاذ القرار المهني الأخلاقي المسئول.
لكن السؤال هو وماذا بعد بث التقارير المصورة لجريمة الهجوم على وزارة الدفاع ومستشفى العرضي¿ أتصور بأن بث تلك المشاهد المتلفزة لم يكن مقصودا في حد ذاته وإنما لغايات معينة يأتي في مقدمتها تشكيل رأي عام مناهض لهذه الأعمال المنكرة وكل من يقف وراءها فضلا عن مساند الجهود المؤسسية والشعبية الرامية إلى إخراج اليمن من محنته الراهنة وإكمال عملية انتقاله السلمي إلى رحاب الديمقراطية ودولة العدالة والمواطنة المتساوية والعيش الكريم وهذه العملية تتطلب حملات إعلامية منظمة ومنتظمة تتجاوز مجرد بث المشاهد المصورة لفترة زمنية قصيرة سرعان ما يتضاءل تأثيرها ثم يزول بعد ذلك كما تتطلب هذه الحملة تظافر جهود جميع وسائل الإعلام والاتصال اليمنية وفي مقدمتها الوسائل الرسمية فهذه القضية أصعب من أن تضطلع بها هذه الوسائل فحسب وإنما تحتاج إلى اصطفاف جميع وسائل الإعلام والاتصال اليمنية بمختلف أطيافها وحشد كل الأنشطة الاتصالية: الفردية والجمعية حولها فضلا عن توظيف الخطاب الديني في هذا المجال.
أما من حيث المضمون فنحن بحاجة إلى الخروج من دائرة التعاطي التقليدي مع أحداث العنف وجرائم الإرهاب بحيث نتجاوز مجرد ترديد المقولات التي تذهب إلى تنافي هذه الأعمال مع الدين الإسلامي الحنيف ومبادئه السمحة وقيمه الرفيعة…وغيرها من العبارات التي ألفنا سماعها في هكذا مناسبة والتي لا جدال حولها ولا شك في أهميتها لكننا بحاجة -إلى جانب هذا أيضا- إلى التعمق في دراسة هذه الظاهرة والبحث في مكوناتها وأسبابها المختلفة: الدينية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية وغيرها فالظاهرة غاية في التعقيد وأوسع من حصرها في اختصاص معين ولأجل هذا فهي تتطلب مساندة جميع القوى المجتمعية وفي مقدمتها اصطفاف وسائل الإعلام والاتصال على نحو مهني ومسئول.
• عميد كلية الإعلام- جامعة صنعاء