كـتـاب يـمنـي مـدهـش

د. إبراهيم أبو طالب ■


بعد تحقيقه لكتاب (الإعلان بنعم الله الواهب المنان في الفقه والعروض والنحو والتصريف والمنطق وتجويد القرآن…) للعلامة صفي الدين أحمد بن عبد الله السلمي الشهير بالسانة المتوفى(1122هـ -1710م) في طبعته الأولى 2011م يواصل الأستاذ محمد بن محمد بن عبد الله العرشي مشروعه الخاص في تحقيق النوادر من تراثنا اليمني الأصيل الذي نذر نفسه لخدمته ورعايته وإبرازه للعالمين وها هو هذه المرة يدهشنا بكتاب آخر لا يقل أهمية عن سابقه هو كتاب (برهان البرهان الرايض في الجبر والحساب والخطأين والأقدار والفرائض) وهو كما يلاحظ من العنوان يحتوي على علوم خمسة دقيقة ورصينة في تراثنا العربي عموما واليمني خصوصا ولعل ما يدهش فيه ليس محتوى تلك العلوم لأنها معروفة مدرسة ومدúروسة في معظم مدارس العالمين العربي والإسلامي لقرون طويلة ومتعددة ولكن المدهش والغريب العجيب هو طريقة نسج تلك العلوم الخمسة في صفحة واحدة بحيث يكون علم الفرائض –هذا العلم الدقيق والصعب وأول ما ينزع من العلم كما جاء في الحديث- يكون أفقيا ثم تأتي الترجيعات الرأسية بحيث يقتطع رأسيا من أول كل صفحة حرفا أو كلمة أو بعض كلمة أو كلمة ونيف وهكذا لعلم الخطأين -وسنأتي لتعريفه وتعريف بقية العلوم لاحقا- ثم ربع الصفحة رأسيا يفعل مع علم الحساب ثم الربع الثالث لعلم الجبر وآخر السطر (الربع الرابع) في الصفحة لعلم الأقدار المتناسبة وهكذا يستمر الكتاب في صفحاته الـ (112) صفحة من (95- 206) بنسيج فريد ودقة متناهية.
القدرة على الإدهاش:
   يا لها من قدرة مدهشة على النسج والقطع في المكان الدقيق والوحيد والمناسب وفيها جهد كبير وحرص وتميز وذكاء وتركيز وخبرة غير مسبوقة وهي من النوادر القليلة بحيث يغدو هذا الكتاب –بعد سابقه الإعلان والأسبق منها في التحقيق والظهور كتاب عنوان الشرف الوافي في علم الفقه والعروض والتاريخ والنحو والقوافي) الذي ألفه إسماعيل بن أبي بكر المقري المتوفى (837هـ) وقد صدر في عدة طبعات منها عن عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع بتحقيق عبد الله إبراهيم الأنصاري وهو مؤلف بطريقة لا مثيل لها في العالم بحيث يكون كل كتاب عموديا بلون مختلف فلو قرأت كل لون عموديا تحصل على كتاب لكل لون ولو قرأت الأسطر أفقيا تحصل على كتاب واحد في الفقه وذلك بنفس تقسيم كتابنا هذا برهان البرهان ولكن باختلاف المحتوى من العلوم.
جدوى مثل هذا الكتاب:
   قد يقول قائل: ما جدوى ذلك إذا كانت العلوم محفوظة ومكررة وما الجديد الذي يقدمه الكتاب¿!
   فنجيب عليه بأن الجديد هو الطريقة والتشكيل والنسج نعم إن العقل المبدع لهذا المؤلف ربما قد تشبع من هذه العلوم وحفظها واستظهرها ولكنه مضي يبحث عن تشكيل إبداعي جديد يقدمه من خلالها ويخرجها إخراجا مختلفا لا يعدم ثورته على نمطيتها ولكنه لم يجد إلى التطوير في تقليديتها سبيلا فلجأ إلى هذا الأسلوب وهو بذلك يؤكد معرفة واقتدارا على اللعب بهذه العلوم ومعها لعبا مدهشا مثيرا.
   ويكمن الإبداع هنا في التشكيل الذي يجعل المتأمل والقارئ يحار في كيفية انجاز مثل هذا الأمر في صفحات تبلغ المئات وفي علوم متشعبة ومختلفة إذا ما أدركنا أن الكلمات المتقاطعة التي لا يتجاوز حروفها العشرات رأسيا وأفقيا قد تستغرق من واضعها وقتا طويلا بله كتاب كبير في هذا القدر من الصفحات إنه ولا شك إبداع وعبقرية أوليس الإبداع هو الاختلاف هو الادهاش هو الاتيان بالمفارق بما لم يستطعه الآخرون وإلا لما كانت هنالك الموسوعات والمتابعات الإعلامية ولما كانت موسوعة جنيس للأرقام القياسية تمضي في أعوامها المتلاحقة ترصد الغرائب والعجائب والمدهشات ولم يسال أحد ما جدوى أن يكون هناك شارب يبلغ طوله 430 سم يسجله الهندي سينغ شوهان بعد 32 سنة يقضيها في تربيته والعناية به  أو شعر رأس في ارتفاع 3 أقدام يسجله الياباني “واتانابي” وقد استغرق في تربيته 15 عاما ودخل الموسوعة في نسختها لهذا العام 2013م وغيرها الكثير لم يسأل أحد عن جدوى ذلك لأن الغريب والعجيب هو الجدوى والمختلف والمدهش هو الغاية ومن هنا يدخل هذا الكتاب في الإبداع والاختلاف والإدهاش لو كان له سبيل إلى موسوعة جينيس –أو موسوعة عربية ما- لتعرöفه وتعرöف به العالم بما يحقق تفردا يمنيا وسبقا مدهشا لا أكاد أجد – فيما أعلم- لهذا الكتاب ولأخويه الآخرين مثيلا في مخطوطات العالم أو ليس من حقه أن يعرف ومن حق محققه أن يكرم ويشكر¿!.
العقول اليمنية المبدعة:
   في اليمن عجائب لا تنتهي وعقول لا ينفد عطاؤها ويأتي كتاب برهان البرهان شاهدا عليها ومن العجيب أن يخرج في هذا التوقيت من عام 2013م واليمن يمر بأزمات متلاحقة وخلافات لما يصل الحوار معها إلى سبيل راشد وطريق واضح وثمة من ينفخ

قد يعجبك ايضا