المكرر لا يحúلو
علي بارجاء
منذ عصر ما قبل الإسلام اعترف شاعر فقال: (ما أرانا نقول إلا معادا) لأنه كما يرى وغيره من الشعراء لم يأتوا بجديد, وإنما يكررون ما قيل, هكذا قال الشاعر والعرب لا يزالون في باديتهم, ولم تدون معارفهم وأدبهم بعد, وقبل أن يتحول العالم إلى قرية كما أصبح في راهننا بعد انقضاء أكثر من أربعة عشر قرنا. وها نحن اليوم لا نزال نقول معادا, لقد ألفنا التكرار والتقليد لأقوال وأفعال سبقنا بها أسلافنا, حتى استمرأنا التكرار, وشاع في ثقافتنا أن (المكرر يحúلو), وفي حياتنا شواهد كثيرة في كل المجالات تؤكد ذلك, وبمعنى أو آخر فإننا في كل مرحلة نحاول أن نبدأ من جديد, ونفعل ما سبقنا إليه, ولا نبدأ من حيث انتهى من سبقنا, وعلى عظمة التجارب السابقة لنا والتراكم الثقافي والفكري العربي والعالمي لا زال فينا من يقطع صلته بالإيجابي والناجح من تاريخنا البعيد والقريب, متحجöجا ــ بوعي أو بلا وعي ــ بقول القائل: هم رجال ونحن رجال, الذي انتشر بين أوساط العامة في قولهم: (ما حد أحسن من حد).
بعد أن وصل العرب إلى مرحلة أدهشت العالم في التلاحم والقوة والحضارة والعلوم والثقافة, أصبحنا اليوم نهبا للفرقة والشتات والضعف, ومثالا للهزيمة والتراجع, غابت النماذج التي صنعت الأمجاد ووحدت الكلمة والصفوف, وخلف من بعدهم خلف أضاعوا كل شيء من أجل لا شيء.
نستمع إلى الخطاب الديني, فإذا هو هو يتكرر منذ أن تكالب أعداء الإسلام والعروبة على ضربنا في مواطن قوتنا وتماسكنا, ففرقونا شيعا وسحبوا البساط من تحت أرجلنا ونحن في غفلة من أمرنا, وظللنا ندعي النصر ولا ندرك أننا نضعف ونخسر, ثم نستسلم وننهزم, لم يتغير شيء في خطابنا الديني الذي أصبح يعالج القضايا الهامشية, ويبتعد عن مناقشة القضايا الجوهرية المصيرية التي يحتاجها المؤمن ليعزز إيمانه بالله, وتتحقق في نفسه القدوة الحسنة, فتظهر في سلوكه معبرة عن حقيقة الإسلام الذي ارتضاه الله للإنسان في كل الكرة الأرضية.
وعلى كثرة علماء الإسلام من فقهاء ودعاة, إلا أنهم لم يحلوا إشكالا, ولم يقضوا على منكر رأوه على كثرة نصحهم وإرشادهم ووعظهم, فالسرقة والثأر والقتل والكذب والنفاق وغير ذلك مما جاء فيه نص بالنهي عنه نهيا قاطعا لا يزال يستشري, ولكنا نجدهم يختلفون بحماس في حرمة قراءة المولد أو عدم حرمته, وهل هو بدعة تؤدي إلى ضلالة أو أنه بدعة حسنة! مع علمهم أن المولد وسيلة لقراءة سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم, ونصرته, فحين اختلفنا حول ذلك حاول أعداء الإسلام النيل منه ولم يفلحوا لأنهم زادونا حبا فيه.
لم نعد نأخذ بالحق والأفضل فيما توافق على صحته سابقون أو معاصرون منا أو من غيرنا حين ينشب بيننا خلاف, بل نخشى أن نحتكم إلى الله الذي يهدي إلى الصراط المستقيم ويريد لنا الحياة بسلام.
ولذلك فنحن مع تقادم السنين نتأخر, وغيرنا يتقدم ويتطور. اخترنا لأنفسنا الديمقراطية فتحايلنا عليها, و(عجناها) و(عصدناها), مع يقيننا أنها هي سبيلنا إلى بناء المجتمع القوي القادر على بناء وطنه وتنميته وتطويره, لأن الديمقراطية لن تكون إلا من أجل الإنسان التواق إلى الحرية والعدالة والمساواة, الطامح إلى الحياة المدنية, فكيف تنهض دول الشرق والغرب, ونتراجع نحن, وقد جعلنا الله أمة وسطا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.
يكمن الإشكال في أننا أهل تكرار وتقليد لما هو أسوأ وغير صالح لمواجهة تعقيدات العالم المعاصر, وليست لدينا القدرة على المواكبة مع أننا أهل دين قابل لكل زمان ومكان, وأهل ثقافة قابلة لمواجهة كل غزو واستلهام ما فيه من إيجابيات, والتاريخ شاهد على كثير من التجارب. وأخيرا, فإن ما كتب سابقا هو أيضا تكرار لما سمعناه وقرأناه كثيرا, وسنقرأ وننسى وسيظل يتكرر, وسنظل نقول: (على من تقرأ زبورك يا داؤد¿!). و(المكرر لا يحلو) لأنه لا يقدöم جديدا.