الثورة الرقمية والكتاب الالكتروني

كرس عالم الاجتماع البريطاني والأستاذ في جامعة كمبردج جون ب. تومبسون الجزء الأكبر من دراساته وكتبه لمسألة دور وسائل الإعلام في المجتمعات الإنسانية الحديثة.
وبعد أقل من عامين على صدور كتابه الذي يحمل عنوان ” تجار الثقافة” الذي يدرس فيه خاصة عالم النشر ومستقبله في عصر الثورة الرقمية يصدر تحت العنوان ذاته في طبعة جديدة “منقحة” جرت إعادة النظر فيها بشكل كامل بحيث أخذ المؤلف في اعتباره التطورات الأكثر حداثة بشأن “الكتاب الإلكتروني” وتأثير ذلك في صناعة النشر وفي مستقبلها. وهذا يبدو في فصل مضاف يخص “الثورة الرقمية”.
ينطلق المؤلف في تحليلاته من القول إن عالم النشر بما قام عليه منذ عدة قرون بحيث أصبح له تقاليده وممارساته التي لم تتغير في عمقها منذ حوالي خمسة قرون يواجه اليوم أكبر تحدياته منذ عصر غوتنبرغ مخترع المطبعة.
هذا الكتاب هو في أحد مظاهره الرئيسة نوع من التحقيق الميداني عن عالم النشر والناشرين وتجارة الكتاب خلال العقود الأخيرة المنصرمة وبالتحديد أكثر منذ عقد الستينيات في القرن الماضي . وميدان التحقيق يغطي بصورة خاصة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا. ويتمثل أحد اهتمامات الدراسة في القيام بمحاولة “تشريح” بنية عالم النشر التقليدية “التي أثبتت دائما نشاطها وديناميتها”.
يحدد جون تومبسون القول إن عالم النشر وصناعة الكتاب يواجهان في السياق الحالي من تطور التاريخ عقبات عديدة تثير حالة من القلق وعدم وضوح الأفق .
وليس أقل تلك العقبات الآثار التي تركتها الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي انطلقت من الولايات المتحدة في خريف عام 2008 على مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي الإنتاجي ومن بينها القطاع المعني بكل مستوياته من الإنتاج حتى البيع في المكتبات الصغيرة التي ضاقت هوامش نشاطها التجاري أكثر فأكثر . هذا وليس قليلا عدد تلك التي أغلقت منها أبوابها أو غيرت من نشاطاتها.
العقبة الأخرى التي يواجهها قطاع النشر وصناعة الكتاب يحددها المؤلف بالمنافسة الشديدة التي برزت مع الثورة الرقمية وتطبيقاتها التكنولوجية وصولا إلى “الكتاب الرقمي”. ويناقش المؤلف في هذا الإطار عملية النشر باعتبارها “ظاهرة تجارية” ويقيم معالجته لها من خلال عمله الميداني الذي كان ثمرة 500 ساعة من “شهادات” حول النشر باللغة الإنجليزية في أميركا والمملكة المتحدة.
وفي المقابل هناك اليوم إمكانات كبيرة أمام المؤلفين لتجاوز خدمات الناشرين التقليديين واللجوء إلى النشر الذاتي . بالطبع هذا ينطوي على مغامرة حقيقية بالنسبة للتوزيع ودورة البيع والحرمان من المبالغ المالية التي تقدمها دور النشر التقليدية للمؤلفين الذين تقرر نشر نتاجهم.
ويوضح المؤلف أنه زادت كثيرا مبيعات الكتاب الإلكتروني خلال السنوات الأخيرة خاصة في الولايات المتحدة الأميركية إذ تقول الأرقام إن إيرادات الكتاب الرقمي بالنسبة لمعظم الناشرين في الولايات المتحدة الأميركية لم تكن تشكل سوى حوالي 1 في المئة في عام 2008 .
هذه المبيعات بلغت في عام 2011 نسبة تتراوح بين 18 في المئة و22 في المئة. ويشير المؤلف إلى أن مثل تلك الزيادة حصلت بالنسبة لمختلف المشارب الأدبية وفي مقدمتها تلك التي تتعلق بالخيال العلمي والغموض .
ويلفت المؤلف إلى أن بعض مخازن البيع الأميركية الكبرى للكتب حقق في منتصف عام 2011 ما يقارب 40 في المئة (مبيعاتها) اعتمادا على الكتاب الرقمي ووصلت تلك النسبة إلى حوالي 80في المئة لبعض المؤلفين.
وفي كل الحالات يؤكد المؤلف أنه ينبغي على العاملين في عالم النشر بمختلف مستوياتهم واهتماماتهم وفروع نشاطهم إعادة النظر في آليات عملهم التقليدية والاستعداد بالوقت نفسه لمواجهة قواعد لعب جديدة لم تتحدد معالمها حتى الوقت الحالي بصورة دقيقة وواضحة.
 المؤلف في سطور
 جون ب . تومبسون. عالم اجتماع بريطاني وأستاذ في جامعة كمبردج. موضوع اهتمامه الرئيسي دراسة تأثير وسائل الإعلام في تكوين المجتمعات الحديثة. من مؤلفاته : الايديولوجيا والثقافة الجماهيرية.
 الكتاب: التفكك تجار الثقافة-تأليف: جون ب. تومبسون-الناشر: بوليتي- برس – لندن 2012 9-الصفحات: 464 صفحة-القطع: المتوسط

قد يعجبك ايضا