الأنا المتضخمة والنسق المضمر.. في ضوء النقد الثقافي 1-2

■ علي أحمد عبده قاسم

ومن قول الغذامي يمكن القول: إن عاطفة الحب في شعر الحب خطاب ظاهر والجنوسة خطاب غائب مضمر وإن كان على هذا القول على سبيل المثال وليس على سبيل الدراسة التي وصلت إلى نتيجة وإذا كان خطاب المتنبي في نصوصه المختلفة تعكس الكبرياء والتضخم فإن ادعاء الكبرياء والفرادة شعرنة وليس حقيقة وإذا ما عاد القارئ إلى حياته سيلحظ أنه ابن لأب سقاء وهجاه البعض بحرفة أبيه “لكن بغداد جاء الغيث ساكنها .. نعالهم في قفا السقاء تزدحم”. ولقد أخفق المتنبي في تحقيق حلمه في الإمارة والحكم سيحقق عظمة نفسه ويتناسى الناس النقص والعيب اللذان يرددهما الحساد والمنافسين وحتى الحكام وأظن إن هناك اعتراف بالهوان ولاضعف في شعره.
من يهن يسهل الهوان
عليه ما لجرح بميت إيلام
ضاق ذرعا بأن أضيق به ذرعا
زماني واستكرمتني الكرام
واقفا تحت أخمصي قدر نفسي
واقفا تحت أخمص الأنام
مما سبق يمكن القول: إن الخطاب يرفض الاستسلام للهوان والذل “من يهن يسهل الهوان عليه” أي عند الاستسلام للهوان والرضا به يماثل الجرح الميت عديم الإحساس وبالألم وإذا الجرح المفتوح رمز للهوان والذل فإن الجرح الميت رمز لوصمة العار واستحالة النسيان بوصف الحتمية الاجتماعية لا تنسى الهوان وإذا ما تكررت ا لمحاورة ما بين المتلقي والأبيات نكتشف الإشارات التالية:
• “ضاف به ذرعا” يلحظ غياب الفعل وقد يكون إلى جانب الزمن المخاطب أو أي إنسان آخر.
• “بأن أضيق به زماني” صرخة ترفض الهوان والاستسلام وتعكس التعجب واللامبالاة بمعنى “كيف أضيف به زماني كله” بمعنى أن هناك جرح باقيا أثره ويجب عدم الاستسلام له فجاء في النص.
• “استكرمتني الكرام” نتيجة لحالة من التحول خاصة إذا تأمل القارئ في مدلول الفعل السداسي “استفعل” “استكرم” الذي يدل على التحول والحدث المؤقت وليس النهائي كمثل “يأس” يشير إلى القنوط واليأس النهائي بثبات بينما “استيأس” لا تدل اليأس النهائي وإنما تدل فترة من توهم اليأس لذلك قال تعالى {ولما استيأس الرسل وظنوا أنهم كذبوا أتاهم نصرنا} وبذلك فإن استكرم تدل على التحول من حالة طبيعية إلى حالة مؤقتة وغير طبيعية كمثل قول العرب “استحجر الطين” و”استنوق الجمل” فكانت اللامبالاة في قوله “واقفا تحت أخمصي قدر نفسي” و”تحت أخمصي الأنام” التساوي في اللامبالاة في تقدير النفس وتقدير ادعاء الفرادة الكاذبة الوهمية وتضخيم الذات “سدا للنقص والعيب” الحقيقي والتاريخي الذي يماثل الجرح الميت الباقي بديمومة أثره خلال الاستسلام للهوان وأظن أن النسق المضمر في هذه الأنا هو خطاب غائب يتمثل “في سد العيب والنقص” ويتمثل بالتالي:
• المستوى الاجتماعي البسيط الذي عاشه الشاعر سواء كان متمثلا بانقطاع نسل الأسرة والقبيلة أو حرفة أبيه سقاء “هما ناصرا من خانه كل ناصر .. وأسرة لم يكثر النسل جده” والجانب الثاني من النقص والعيب يتمثل بقول الناقد التونسي محمد لطفي اليوسفي ويتمثل بالارتزاق حيث يقول “أما المتنبي فقط لطخت صورته بالمعرات أصناما حتى يكاد يغدو بمثابة التجسيد للشاعر المرتزق والذي مضى في دروب الهوان حتى أقاصيها وهو الشاعر الأمهر الذي أعاد للشعر العربي لهبه وللكلمة نارها ونجح في تحويل السلطة السياسية إلى السلطة الشعرية فألح الملوك في طلبه لكن تظن صورته محاطة بالمعرات بوصفه حول الشعر إلى قيمة تبادلية ومضى في دروب الهوان حتى المنتهى”.
ومما سبق يمكن القول من خلال قول اليوسفي إن جوانب التمام والنقص التالي:
• إعادة القوة الشعرية للنص العربي وهذا تميز وعبقرية محسوبة وخالدة للشاعر.
• أرغم السلطة السياسية بالالتفات إليه وللشعر.
• لم تكن السلطة السياسية بدعوته راغبة بنوال نصيب مادي بل نالت النصيب الإعلامي بالمدح الشعري منه والنصيب التاريخي الخالد وللأهمية التاريخية لقوة وخلود شعره وكان يمثل ذلك نقصا وعيبا خاصة أنه لم يتمكن من خلق الشخصية الكارزما التي بلغت الحكم وساست الناس لكنه مني بها وكان مستغلا وغير مستغل.
يقول اليوسفي مرة أخرى “سيقف العربي مدافعا عن المتنبي وعن شعره لكن الدفاع سيسلك طرقا ملتوية ومواربة بموجبها يتحول الدفاع من دفاع عن المتنبي الشاعر إلى دفاع عن شرف ومجد الكلمة لأن الشعر يعد ديوان العرب” وبذلك لم تنل شخصية المتنبي وأناه دفاع العربي تلافيا لمعرات وعيوب الشخصية العميقة ويعترف بعبقريته الشعرية لذلك يقول اليوسفي مرة أخرى ينفي عنه التمدح والارتزاق بالشعر حيث يقول: “عاش المعري يعتبر المديح خروجا عن الشعر ولم يتخذ منه مكسبا على عادة أغلب الشعراء”.
وإذا كان المعري قد فطن للمعرات التي لحقت بشاعرة المتنبي فامتنع عن التكسب شعريا وتحول من الدفاع عن شخصية المتنبي الذات إلى الدفاع عن مجد وشرف الكلمة الخالدة لذلك أسمى مؤلفه عنه “معجز أحمد” ف

قد يعجبك ايضا