الأنا المتضخمة والنسق المضمر.. في ضوء النقد الثقافي 1-2
علي أحمد عبده قاسم
أجمع دارسو الأدب جميعهم أن الأدب الرفيع يتميز بخاصية البقاء عبر العصور بوصفه يجسد حالة إنسانية عميقة في الإنسان واختلفوا الأخرى كاللغة والصورة والمذهب الأدبي لذلك السبب مازالت الكثير من النصوص تشكل استمرارية وعلامة فارقة في الآداب عموما والعربي خصوصا وتبقى تلك النصوص تستهلك جماهيريا وتردد باستمرارية ملفتة وربما في الكثير من الأوقات لأجل ذلك فقد أثار الدكتور/ عبدالله الغذامي الناقد السعودي المعروف استفهامات إزاء جماهيرية النص في كتابه “النقد الثقافي” والذي يتجه إلى دراسة النص الجماهيري من حيث البعد الغائب والجمعي للغائب المضمر في النص وهو ما أطلق عليه “النسق المضمر” حيث يقول: “إننا نحاول توظيف الأداة النقدية توظيفا يحولها من كونها الأدبي إلى كون ثقافي باقتراح تحويل بعض المصطلحات لتكون فاعلة في مجالها الجديد وتم اقتراح عنصر سابع في عناصر الرسالة والاتصال وهو العنصر النسقي الذي يوازي الرسالة كما قال ياكوبسون في تعريفه للشاعرية واقتراح نوع ثالث من الجمل وهي الجملة الثقافية إلى جانب الجملة الأدبية والنحوية”.
ومما سبق يمكن القول: إن النسق والبعد الموازي للرسالة في النص يختفي في الجملة الثقافية التي تختلف عن الجملة النحوية التداولية الواضحة والجملة البلاغية تؤدي دلالة جمالية فنية مثيرة للمشاعر والانفعالات ولعل الغذامي يحاول أن يكشف من خلال الجملة الثقافية السر للجماهيرية وهو ما يطلق عليه “النسق المضمر” ولعله العميق الذي لامس النفوس مما أفضى إلى استهلاك النص جماهيريا واستمرارية ترديده على ألسنة الأجيال. ولكي يتضح الصورة يمكن أن ندرس بعض نصوص المتنبي الجماهيرية.. وفي هذه الدراسة سوف أحاول أن أقرأ النسق المضمر الغائب بمرتكزات النص الجماهيري في ضوء النقد الثقافي.
واحر قلباه ممن قلبه شبم
ومن بجسمي وحالي عنده سقم
مالي أكتم حبا قد برى جسدي
وتدعي حب سيف الدولة الأمم
إن كان يجمعنا حب لغرته
فليت أنا بقدر الحب نقتسم
يا أعدل الناس إلا في معاملتي
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
أعيذها نظرات منك صادقة
أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلم
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم
صحبت في الفلوات الوحش منفردا
حتى تعجب مني الغور والأكم
كم تطلبون لنا عجيبا فيعجزكم
ويكره الله أنا تكون والكرم
ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي
أنا الثريا وذان الشيب والهرم
سيعلم القوم ممن ضم مجلسنا
بأنني خير من تسعى به قدم
لقد أشبع النقاد المتنبي درسا وقراءة لاحتمالات الكثير من التأويلات ولما تحمل معانيه من خطاب متعدد حتى تحول إلى جدلية نقدية في التراث النقدي قديما وحديثا على حد سواء وليست هذه الدراسة تنصب باتجاه ما قالوا ولكن نحن إزاء استفهام عريض يقول: ما سبب جماهيرية نص أحمد بن الحسين “المتنبي” واستمرارية الاستهلال الجماهيري الإبداعي للبنى والنسيج ا لنصي له¿
وقبل أن يجاب على هذا السؤال العريض يجب أن نعرج على النقد الأدبي وندخل إلى المميزات البلاغية للنص السابق ولكن تتضح الصورة للمتلقي يجب أن نقارن بين مميزات النقد الأدبي والنقد الثقافي الجماهيري فالمتأمل في النص السابق والدراسات النقدية له التي اهتمت بشعر المتنبي فمثلا تقول الدكتورة حفيظة الشيخ في كتابها (معنى المعنى عند أبي الطيب المتنبي): “إن النص السابق يوحي بالتبدل والتحول بوصف الصورة للممدوح أصبحت مهتزة وسترها المادح بمعنى خف ليلطف لهجته تجاه الممدوح في قوله:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
أعيذها نظرات منك صادقة
أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلم”
وقالت: “إن الأبيات تعكس حالتين إيجابية وتتمثل “أعدل الناس هو الحكم لديه نظرات صادقة” وحالة السلب وتتمثل أنه “لا يعدل هو الخصم تلتبس عليه الأمور” وتبين الأبيات سخرية الشاعر من سيف الدولة وتأتي السخرية من التوازي بين الصفات المثبتة والمنفية “اح