البعد الوطني الثوري في شعر البردوني
عبد الرحمن مراد
عبد الرحمن مراد –
كانت الثورة اليمنية حلما يراود الطليعة المثقفة في منتصف القرن العشرين ذلك الحلم الذي امتزج بتطلعات آمال الشعراء وقادة الحركة الوطنية حتى أنهم لشدة إيمانهم به أراقوا الدماء رخيصة في سبيله واستلذوا الصعاب وهانت لديهم من أجله طرق الموت وأسبابه… لقد ثاروا وانتفضوا من أجل العدالة الاجتماعية ومن أجل التحرر والانفتاح ومن أجل كل القيم الخيرة والمثل السامية التي آمنوا بها.. فلم يثنهم سيف الجلاد ولا القيد والسجان لقد لاقوا الموت في رضا واختيار بذلوا تلك الأرواح وأراقوا تلك الدماء من أجل غد مشرق وحياة هانئة فكان مصيرهم الخلود في ذاكرة الأجيال وضمائر الوطنيين
والأستاذ الشاعر الكبير عبدالله البردوني واحد من أولئك الذين نادوا بالتحرر وأشعلوا جمرة الاتقاد الثوري لقد كان تمرده واضحا وفرحته غامرة وتنبؤه جليا في حنايا ديوانه الثاني “في طريق الفجر” الصادر 1968م أي بعد ست سنوات من قيام الثورة وقد سبقه ديوان “من أرض بلقيس” الصادر عام 1961م أي قبل عام واحد من قيام الثورة اليمنية.. ويكاد الديوان أن يكون شاهد إثبات على تلك الفترة أي فترة التململ الثوري الذي بلغ ذروته عام 62م يوم 26سبتمبر وكانت ولادته فاتحة خير وانطلاقة حرة لولا بعض العثرات التي اعترضت طريقة.. ذلك اليوم الذي استقبله الشاعر البردوني بقوله:-
أسفر الفجر فانهضي ياصديقه
نقتطف سحره ونحضن بريقه
كم حننا عليه وهو شجون
في حنايا الظلام حيرى غريقه
وتباشيره خيالات كأس
في شفاه الرؤى ونجوى عميقه
وضمئنا إليه وهو حنين
ظامئ يرعش الحقوق شهيقه
إلى أن يقول:-
نحن صغنا أضواءه من هوانا وفرشنا بالأغنيات طريقه
وشدونا في دربه كالعصافير
وشدو الغرام فيض السليقه «1»
بمثل تلك النبرة الحماسية المفعمة بروح الانتصار وزهوه استقبل البردوني فجر الثورة التي كان يرى فيها استعادة مباركة لتاريخ مجيد وفجر تليد.
خليفة تاريخية:
عاشت اليمن فترة زمنية قاسية فقد كانت في عزلة تامة لينتهي العالم عند عامة الناس فيها هناك في البحر فهي لا تدري أن اناسا يشاركونهم سكن هذا الكوكب أذكر أن تصور الناس كما كان يتداول كبار السن أن الشمس كانت تذهب كل مساء إلى البحر الذي كان نهاية الكرة بالنسبة لهم هذه العزلة النفسية والفكرية والاجتماعية شكلت دافعا قويا وخلفية فكرية للمنطلق التحرري الذي قاده رجال الفكر والأدب وقادة التحرر فالحكومة المتوكلية مارست سياسية التمييز الطبقي بين أفراد المجتمع الواحد والذي تجمعه آصرة الدين وهي أقوى آصرة تجمع الأمة المسلمة وبما أنها كانت قائمة باسم الدين فقد كانت سياستها تتنافى مع التوجه العام مما أفرغ المنظومة المتوكلية من مفهومها القداسي خاصة لدى الطبقة المثقفة.
وبما أن البردوني الشاعر المبصر في الزمن الأعمى من حوله عاش تلك الفترة الزمنية بحس الشاعر فلقد نقل إلينا الوضع العام بأمانة شعرية تمثل ذلك في بعدين موضوعيين هما البعد الاجتماعي والبعد السياسي.
البعد الاجتماعي: في قصيدته «قصة من الماضي» يتحدث الشاعر عن الوضع الاجتماعي القصيدة مكتوبة في شوال 1379هـ أي بعد عام واحد من الثورة محاولا تذكير ذلك البعيد الذي سيأتي عبر الأجيال المتعاقبة بكيفية الوضع المأساوي الذي عاشه أجداده وما هي حجم المعاناة التي كانوا يلاقونها في حياتهم وحجم الحرمان الذي عاشوه فهم كما قال:
أيام كنا نسرق الرمان
في الوادي السحيق
ونعود من خلف الطريق
وليلنا أخنى رفيق
ونخاف وسوسة الرياح
وخضرة الطيف الرشيق
أي أن هناك خللا في البنية الاجتماعية سببه الحرمان بالإضافة إلى حالة الجوع التي يعانيها كل أفراد الشعب فهو يقول:
وأبي وأمي حولنا .. بين التنهد والشهيق
يتشاكيان من الطوى.. شكوى الفريق إلى الفريق
والنقيض الآخر موجود لكنه مفرغ من كل القيم الدينية والأخلاقية… أنه نموذج مرتزق مزور يقول:-
لولا خداع ثيابهم.. كسدوا بأسواق الحمير
فقراء من خلف الرجال.. ويسخرون من الفقير
ويسألون مع الرجال.. عن المشاكل والمصير
ومصيرهم بيت البغى.. وبيت خمار شهير
فحياة النقيض حياة مترفة حيوانية لا ترى في الآخر سوى الشهوة بكل مصنفاتها.. والآخر تدفعه الحاجة إلى أن يبيع أي شي مقابل البقاء,, يقول:-
حسنها تطرح حسنها.. للمترفين وللأجير
فجمالها مثل الطبيعة..للنبيل والحقير
إذا فالحياة الاجتماعية كانت منفصمة العرى والبقاء فيها للأقوى لذا نشأ ما ي