تزييف الوعي بالثورة !!

سامي عطا


 - ٭ .. طرح الشباب العربي في فعله الثوري المختلف معنى الثورة في مفهوم جديد لم تألفه المنطقة العربية ونخبتها الحاكمة  هذا المفهوم الجديد جاء بسبب سمة ثورتهم

٭ .. طرح الشباب العربي في فعله الثوري المختلف معنى الثورة في مفهوم جديد لم تألفه المنطقة العربية ونخبتها الحاكمة هذا المفهوم الجديد جاء بسبب سمة ثورتهم المختلف الذي أخذ مبدأ اللا عنف وسيلة لها وهذه الوسيلة ” اللا عنف ” طرحت في مضمونها شكلا جديدا للشرعية يتأسس على أدوات مختلفة عن ثورات العرب الكلاسيكية كما أن الشرعية الجديدة طرحت تعارضا بالتأكيد مع شرعية أنظمة قائمة في المنطقة لا زالت القوة والعنف أداتها الفضلى ولا عنف الثورة وسيلة جديدة تشكل تهديدا غير مباشر لهذه الأنظمة القائمة.
وكما هو معروف فإن فلسفة شرعية الحكم في ثورات اللا عنف يقوم على مبدأ آخر غير شرعية القوة أو ممارسة العنف سواء أكان هذا العنف عنفا ثوريا أو عنفا رجعيا. إذ أخذت هذه الثورات ترسم ملامح تهديد للشرعية المألوفة والمتواترة القائمة على مبدأ القوة ولا زالت هناك أنظمة في المنطقة تعتمد في تثبيت أركان حكمها على هذا المبدأ بما هي أنظمة طغيان واستبداد مطلقة ودائمة. ولأجل ذلك حدست نخبها الحاكمة مغزى هذه التحولات الجديدة لهذه وتهديداتها المستقبلية المحتملة إذا ما قيض لها أن تنجح فلقد فهمت أن نجاح ثورات اللاعنف سيضع اللبنات الأولى لمعنى الشرعية الجديد الذي يعتمد على مبدأ الإقناع والتداول السلمي للسلطة وهذا النوع من الشرعية لا تجيده ولا يلبي مصالحها في البقاء الدائم.
لذا كان من الضروري تفخيخ هذه الثورات وتحويلها إلى مسار عنيف واستحضار منطق القوة السائد في كسب الشرعية وعليه تم تحويل كل الثورات العربية إلى هذا المسار العنيف إما عبر تسليحها كما جرى في ليبيا وسوريا أو عبر إشعال حرب فيها بين الفرقاء كما جرى في اليمن بدءا بإشعال حرب جبل الصمع بين القبائل ومعسكر للحرس الجمهوري ومن ثم حرب الحصبة وكما يجري في سوريا ومصر اليوم .. وبالتأكيد يعد انحراف الثورة عن سلميتها لا يخدم إلا أنظمة الطغيان والاستبداد ويأبد بقاءها العنف إكراه والإكراه يتنافى مع الديمقراطية فلا ديمقراطية إلا مع مبدأ الإقناع.
يعد افتقار”ثورات الشباب” إلى حامل وبرنامج فيه أهداف واضحة مثلبة رئيسية ويرجع السبب إلى طبيعة أنظمة الاستبداد القاسية في تعاملاتها مع المعارضة وبما أنها أنظمة اتسمت بالشمولية أي أنها تدير المجتمع كله بما فيه المجتمع السياسي بواسطة الهندسة الاجتماعية المعارضة فيه مدجنة ولا تسمح بوجود أحزاب وتنظيمات خارج الكنترول كما أن عدم ثقة الشباب (على الأقل طليعتهم) من انتصار ثورتهم جعلهم يعزفون عن تحمل مسئوليتها وتنظيمها خوفا من بطش النظام الاستبدادي الأمر الذي جعلهم يتعاملون مع الثورة كما تعامل القندس مع خصيتيه في “أسطورة القندس «1» الشهيرة حتى الأحزاب الكلاسيكية تنصلت هي أيضا من مسئوليتها عنها ساعات حدوثها. هذا الخطأ القاتل جعل من ثورات الشباب عرضة للاختطاف من قبل قوى لا تؤمن بها وليست شريكة في تفجيرها أو صنعها وبالتالي تم إجهاض مضمون الثورة البشارة.
وعليه جرى أيضا تزييف وعي الثورة عبر إغراقها بالمال حيث سعت قوى عديدة إلى تقديم ورسم وعي زائف في أذهان الناس والشباب عن معنى الثورة وبسبب أخطاء التعامل معها وإغراقها بالمال أخذ الوعي بالثورة ينكشف عن معنى مختلف.
لقد ارتبطت الثورة دائما بالمبادئ والقيم والمثل العليا لقد جال جيفارا حاملا بندقيته – عندما كانت الثورة السائدة في معظم الأقطار رديفة للعنف – ولم يكن جيفارا يحمل في جعبته سوى بضع رصاصات وكسرة خبز ودفتر ملاحظاته يسجل فيها بعضا من مبادئه وانطباعاته ويحمل في دماغه مثلا وقيم إنسانية عليا أمن بها وسعى إلى تحقيقها.
في حين شهدت معظم مشاريع ثورات الشباب العربي سياسة احتواء وإعطاب فعلهم الثوري في الوعي وتزييفه وكان مال البترودولار سببا رئيسيا لهذا فلقد أعطب هذا المال الفعل الإنساني في غير قطر عربي ومثلما مارس تخريب وإجهاض كل الثورات السابقة يجري أيضا إجهاض هذه الثورات وعلى قاعدة قانون مورفي الذي يقول : إن نظافة شيء يتعلق باتساخ شيء آخر وعليه ينبغي أن تتسخ الثورات في وعي ووجدان شعوبهم ولنأخذ سوريا وليبيا واليمن نماذج صارخة لهذا الفعل القبيح أي تعطيل قيم الثورة في الذهن والوجدان أيضا.
بالمال جرى تعنيف الثورة وتسليحها وتحولت من حالة ترنو إلى تحقيق أهداف إنسانية وتكرس قيم جديدة وتضع مداميك ثقافة جديدة مختلفة إلى صورة قبيحة أخرجت مساوئ النفس البشرية عبر القتل والتشنيع بالإنسان وبأفعاله ونشاطاته!!!
إنه

قد يعجبك ايضا