ما أشبه الليلة بالبارحة (2-2)
جمال عبدالحميد عبدالمغني
أشرنا في تناولة العدد السابق إلى تساقط عرابي التشرذم ومروجي التفكك والتمزق العربي في زمن الانحطاط والذل واحدا تلو الآخر أمام المد المغولي الهستيري وطموحات هولاكو بسيادة العالم وباستثناء إمارة «ميافارقين وأميرها» الذين خاضوا معركة مشرفة أمام همجية هولاكو وجيشه فقد تسابق بقية الأمراء لتقبيل أقدام هولاكو وتحولوا إلى جواسيس لديه كل منهم يقدم الغالي والنفيس لنيل رضاه بل وأسهموا بشكل كبير في تدمير بعضهم البعض وفي النهاية كان يقتلهم هولاكو بعد إخضاع إماراتهم لنفوذه ويسلب ثرواتهم وكان يخاطبهم عند إعدامهم.. صحيح أنكم قدمتم لي ولجيشي خدمات جليلة ووفرتم علينا جهدا كبيرا لكني سأعدمكم لسبب بسيط هو أني لا أحب الجبناء والخونة فيصابون قبل لحظات من الإعدام بالذهول لأنهم في تلك اللحظة يكتشفون كم هم حقراء وكم هم جبناء.. ومع ذلك لم تشفع لهم حقارتهم وجبنهم ولم تمنحهم حتى مجرد البقاء على قيد الحياة لأن القائد الجبار والدموي هولاكو لا يحب هذا النوع من البشر.
> كان آخر الخونة وأسوأهم على الإطلاق هو حاكم دمشق والشام آنذاك آسف لن أذكركم باسمه والسبب الرئيسي أن ذاكرتي لا تحتفظ بأسماء الخونة خصوصا إذا كانوا عربا أو مسلمين المهم هذا الخائن رفض أن يمد يد العون لعاصمة الخلافة الإسلامية ورمز الكرامة العربية وعنوان الحضارة والثقافة العالمية آنذاك «بغداد» بل قام بالعكس بتقديم المال والجنود والسلاح لهولاكو وظنا منه أنه سينجو من بطش هولاكو وسيحتفظ بالكرسي القذر ولم يكن يعلم أن هولاكو لا يحب هذه النوعيات الوضيعة وفعلا قضى عليه بعد أن فرغ من بغداد بنفس طريقة سابقيه الخونة.
> كان هذا الحاكم قد حصل على فرصة لإنقاذ ملكه والمشاركة في رد الاعتبار للكرامة العربية والإسلامية عندما أتى إليه وفد من أرض الكنانة «مصر» برئاسة البطلين غير العربيين «قطز» «والظاهر بيبرس» وقد عرض الوفد على هذا الحاكم المنحط أن يوحد جهوده مع الجهود التي تعد في مصر لمواجهة حاسمة مع التتار الهمج لكنه رفض ليس هذا فحسب بل دبر خطة قذرة لتسليم القائدين العظيمين قطز والظاهر بيبرس ومعهما كوكبة من ألمع وأخلص الفرسان العرب وتقديمهم قربانا لهولاكو من أجل أن يثبت له حسن نواياه وإخلاصه.. ألم أقل لكم إنه خسيس ولا يستحق أن تحتفظ به الذاكرة لكن إرادة الله نفذت فتنبه القائدان ورفاقهما لنذالة حاكم دمشق ودبرا خطة للهرب من قصره ووصلا إلى مصر واستكملا خطة معركة الشرف «عين جالوت» الشهيرة وحققا مع الجيش العربي الذي انطلق من مصر نصرا ساحقا على جيش التتار الذي لم يكن أحد يتوقع أن يهزم آنذاك وأنتهت إسطورة المغول إلى الأبد والظريف أن المغول بقيادة هولاكو كانوا قد قرروا القضاء على ملك ذلك التافه قبل السير إلى مصر وذلك ما حدث بالفعل فهل نتعظ من دروس التاريخ يا عرب وما أشبه الليلة بالبارحة.