كيف نحب أو نضحك¿

جمال حسن


 - لماذا أحيانا تبدو لي أن لدى اليمني إشكالية شعرية. عندما يعبر عن عاطفته يكون مترجرجا وفضفاضا وتزيد مأساته التعبيرية في تكرار كارثي يحاول به سد الفراغات غير المروية. كثير من اليمنيين لا يقول لزوجته كلمة حب هل لأنه يعتقدها تدك حصون العلاقة المتسمة بحدود الواجب. ربما تنبع أيضا من طغيان أمومي يحرم على الابن نقل تملك عاطفة الأم إلى الزوجة. ربما أصبح جزءا من
لماذا أحيانا تبدو لي أن لدى اليمني إشكالية شعرية. عندما يعبر عن عاطفته يكون مترجرجا وفضفاضا وتزيد مأساته التعبيرية في تكرار كارثي يحاول به سد الفراغات غير المروية. كثير من اليمنيين لا يقول لزوجته كلمة حب هل لأنه يعتقدها تدك حصون العلاقة المتسمة بحدود الواجب. ربما تنبع أيضا من طغيان أمومي يحرم على الابن نقل تملك عاطفة الأم إلى الزوجة. ربما أصبح جزءا من اعتياد الحياة المشتركة المتمثل في شريكه لذا يكون هناك شعور ما. هذا الرجل لا يستطيع التعبير العاطفي حتى وإن شعر به. يكتفي بأن يتمثل الشعور كأفعال. البعض يمكنه قول ذلك لمحظية ليس لزوجته. فالزوجة قديسة ينضمان في فراش يكدسه الظلام وكأنها كائن افتراضي لديه مهمة مقدسة في إنتاج الأولاد.
التقى أحد أصدقائي بفتيات من دول عدة وعندما كانت أحداهن عربية قالت له أنها تعتقد بان اليمنيين يعانون من جفاف واستدلت بالطبيعة القاسية المنهكة بجبال جرداء. هل أقول أن أزمة اليمن شعرية بالدرجة الأولى. ربما استئنس بهذا الاستخدام المستمر لهذا اللفظ.
غير أن احد اشكالياتنا العميقة خضوعنا للقسوة حد ضياع الأفق الخيالي. في الأزمان السابقة استطاع اليمني أن يتمرد على قسوته وأنتج شروط إنتاجية لكن هذا الأمر تغير.
مازلت أتذكر كيف كان جدي ينزعج من سقوط الفتات على الأرض حد الصراخ. طبعا للأمر علاقة بثقافة معاناة. كثيرا ما وقعت اليمن عرضة لمجاعات رهيبة. واحدة من قصص الجوع في قريتي باع شخص حقله بقليل من الحبوب من إقطاعي كان يمتلك مخزونا كبيرا. كانت المجاعات فرصة لتوسيع الاملاك بالنسبة للرجل القادر على التوسل في مدافنه بمخزون من الحبوب. وهذه القصة تحضر فيها ثقافة موسومة بلسعة مزمنة للمجاعات. لكن هذا الاستغلال مثلته الحاجة وهو تصرف مألوف للبشر على الأقل تلك الصورة لم تكن تمارس السلطة ضد البشر بل الحاجة. فهل كانت أيضا وسيلة طبقت فيها الطبقة الحاكمة شهوتها لتوسيع أملاكها من مجاعات مواطنيها.
كثيرا ما نردد “ثقافة الجوع” لتصوير فساد الطبقة الحاكمة خلال عقود سابقة. كل ممارسات المشائخ والأعيان ورجال الدولة تعطي انطباعا بالفضاضة. في الأزمان القديمة كان استغلال الطبقة العليا للطبقات الأخرى ينعكس على جمالية منشآتهم وطابع مرفه تبرزه الموسيقى والحدائق. لكن هذا النوع من الفساد السابق ينتج وعي محدثي نعمة. وهذا بطبيعته انتج ثقافة نهمة على الوعي المعارض. في تعز يظهر شيخ ويريد إعادة إنتاج الواقع القبلي في مدينة كانت أكثر نزوع نحو المدنية. بل أن غباء التقوقع السياسي يفرض نفسه على مجاميع تريد إنتاج مطالب بصنع أقاليم جديدة أو تشكيل عصب جديدة في تعز أو إب. لأن شروط الثروة لم تعد منذورة للإنتاج بل لتطفل قوى عصبية أو راديكالية. أو استغلال الوظائف الكبيرة في الدوة وحتى الصغيرة لكن تلك التي تمنح فرصة لحيز مصالح. وحتى السياسة أنتجت قوى متطفلة تحاول إعادة إنتاج مصالحها الخاصة بشروط تقل عن طبقة النفوذ.
فالجوع والفاقة تربط البشر بحاجاتهم الملحة وقدرهم اليومي على حساب نشوة الأبد في خيالهم. وهذا الامتهان العام للحياة يعتاش على تاريخ طويل من التطفل. في عهد الإمام لم يكن الجندي الذي تنفذه السلطة يكتفي بأن يطلب من المواطنين ذبح دجاجة بل يصل حد الابتذال أن يختار بنفسه الدجاجة. فيقف ويرفع كل دجاجة ويتحسس جوانبها وهو ممسكها من الجناحين ويختار الأكثر سمنة أو لحما. هل هناك ابتذال يفوق ذلك. مع ذلك نفتقد نحن اليمنيين طرق الحياة ولا نعرف كيف نراجع تاريخ مشاعرنا فنراجع الكراهية أو معاناتنا الحالية باستحضار مشاريع يفترض اننا قد عبرناها وتخلصنا منها. هل يعقل ان نرى في الإمام شخصية تستحق الاستحضار اليوم وهو مجرد شبح مازال ينفث علينا كل متاعب الماضي. عندما ذهب صديقي ليسجل بلاغ بسرقة بيته كان العسكري يتصل به ليطلب حق القات وتحولت نكبته إلى نكبة أخرى واستدعى الأمر بصديق آخر ان يذهب ويسحب البلاغ عن السرقة.
البعض سيرى في استدعائي المبعثر لقيم عاطفية كروابط خفية لهذا الخواء الروحي وهذا المرض الذي يجسد طبيعة الواقع اليوم. فهل مازلنا نعيش في مرحلة مبدئية من العاطفة أي أننا نحتاج لأبجديات التعلم العاطفي لنتفهم أننا نستدعي المثال الخطأ. أتصور أن للأمر علاقة بروح الخفة روح الهزل أو الضحك. فاليمني لا يعرف كيف يضحك. بل يحب الترهات الفضة والمبتذلة

قد يعجبك ايضا