إدوارد سعيد.. التلقي العربي للاستشراق الحلقة السابعة
هشام علي

قراءة الاستشراق: المراجعة وإعادة القراءة
في نقد وحقيقة يقول رولان بارت: “إن الأثر لا يتأبد لأنه أرسى معنى وحيدا ولكنه كذلك لأنه يوحي بدلالات مختلفة لإنسان واحد يتكلم دائما اللغة الرمزية ذاتها عبر أزمنة متعددة فالأثر يقترح والإنسان يتصرف”.
والقراءة هي محاورة النص كما يقول بول ريكو ووفقا لهذه الرؤية الحوارية التي تتضمنها القراءة وعلاقتها بالأزمنة المتغيرة فإننا نستأنف مراجعة القراءات العربية للاستشراق وكنا قد تعرضنا لبعض القراءات المبكرة والمتميزة لكتاب الاستشراق التي كانت ذات سمات إيديولوجية وسياسية غالبة وكانت في معظمها معارضة للفكر النقدي الذي جاء به كتاب الاستشراق أو القراءات المناصرة والمؤيدة للكتاب فقد كانت ذات اتجاهات أصولية وهي تكشف عن قراءة إساءة فهم مقصودة لنقد الاستشراق ونقد الغرب بحيث تصب نتائج هذا الكتاب النقدي العلماني في صالح التيارات الأصولية التي تختلف مع فكر إدوارد سعيد ومنهجه.
ونلاحظ أن القراءة المبكرة للاستشراق أوقعت الكتاب في شرك حقيقي وحاصرته بين اتجاهين:
قراءة ماركسية إيديولوجية: جردت الكتاب من العلمية والتاريخية و أوقعته في حبائل ميتافيزيقا الاستشراق المعكوس.
وقراءات قومية إسلاموية: رأت في الاستشراق دفاعا عن العروبة والإسلام وانتصارا للشرق ضد الغرب.
وقد نبه سعيد إلى مخاطر هكذا قراءة فهو يقول في”هجرة النظريات”: عند قراءة نص ما يتعين أن يفتح المرء هذا النص على ما اندرج فيه وما استبعد منه فكل عمل ثقافي عبارة عن رؤية للحظة ما لذا يجب أن نختبر هذه الرؤية جنبا إلى جنب مع المراجعات المختلفة التي أثارتها هذه الرؤية لاحقا”.
وسوف نحاول هنا قراءة المراجعات المختلفة للاستشراق التي قام بها المثقفون العرب في فترات لاحقة أعقبت المرحلة المبكرة من تلقي الاستشراق عقب صدوره باللغة العربية وكانت بعض هذه المراجعات تعتمد النص الإنجليزي أو الفرنسي وهو ما ينفي سوء الفهم للنص العربي المترجم وسوف نعود لاحقا لموضوع الترجمة العربية للكتاب ومحاولة المترجم تأسيس نص عربي لنقد الاستشراق وليس الاقتصار على الترجمة بالصورة المتعارف عليها.
وربما أن السؤال المتجدد دائما هو مقدار التغير في تلقي إدوارد سعيد والاستشراق هل كان الاستقبال المبكر للكتاب يحمل شيئا من الدهشة والانبهار لدى البعض وفي المقابل كان هناك رفض للكتاب من قبل آخرين بينما كانت شهرة الكتاب والضجة التي أثارها عند صدوره في أمريكا هي الدافع للاهتمام بالكتاب في صفوف المثقفين العرب وليس محتوى الكتاب والقضايا الخطيرة التي ناقشها وهو ما دفع بعض المثقفين للمشاركة في النقاش دون أن يكونوا قد اطلعوا عليه.
وهذه قيمة مضافة للكتاب فهذه الظاهرة تشير إلى أن الكتاب كان موضوعا راهنا بالنسبة للمثقفين والثقافة العربية في تلك المرحلة من أوائل الثمانينات إذا أن الثقافة العربية قد أحست بضرورة الخروج من الثنائيات المكرورة والحاجة إلى ولادة فكر نقدي لموضوع الشرق والغرب ولعل الإشكالية تكمن في العجز عن القراءة والفشل في تفكيك خطاب الاستشراق بصورة متحررة من جدل السيد والعبد ومن عقدة الغرب المهيمن على اتجاه الحداثة العربية الذي يحدد لنا معايير الحداثة ويسطöر علاقتنا بتراثنا.
وقبل أن نبدأ بتفتيش القراءات النقدية للاستشراق التي أعقبت مرحلة الصدمة الأولي أو ما يمكن تسميتها بالقراءات المبكرة سوف نتعرض لدراسة قام بها الباحث الفرنسي آلان روسيون وهو ينتمي للمركز القومي للبحوث العلمية الفرنسية ويعمل في فرعه في مصر حيث قضى سنوات عديدة وكان على اطلاع دائم بالمناقشات الدائرة حول الاستشراق في الساحة الثقافية العربية وقد نشر دراسته في 1990م.
يتساءل روسيون كيف يمكن لتدخل إدوارد سعيد أن يساعدهم (أي الشرقيين) على اتخاذ موقف واضح من هذه المعرفة الاستشراقية ذاتها ومن تاريخهم الخاص بشكل عام ثم من التاريخ الاستعماري بشكل خاص¿ ويرى الآن روسيون أن المثقفين العرب اهتموا بكتاب الاستشراق حال صدوره لكنهم أخذوا يتراجعون بعد ذلك وأن أطروحات إدوارد سعيد تعرضت للنقد والتفنيد السريع ولم تستطع أن تصمد طويلا:
“في البداية كان كتاب إدوارد سعيد يشبه الرعد القاصف الذي اخترق سماء أقل ما يقال فيها أنها كانت صافية وبعد ذلك كانت المناقشة التي أثارها في الساحة الثقافية العربية وقد تعرضت لتحول مهم: ففي البداية استقبلت أطروحاته “كالوحي” ولكن الكثير من المثقفين العرب سرعان ما اتخذوا مسافة نقدية عنها وأعادوا تقييمها يحصل ذلك كما لو أن سعيد قد مشى في تعرية الاستشراق مسافة أكثر من اللزوم وتجاوز كل الحدود إلى درجة أنه أصبح يهدد بتدمير أسس كل معرفة علمية عن الشرق”(1).
هذه النتيجة