إدوارد سعيد والثقافة العربية »ما بين عالمين”الحلقةالرابعة”

هشام علي


هشام علي –
تتحدد أوجه الاختلاف في تجربة ادوارد سعيد في عدة مسائل فهو ليس مثقفا نهضويا بمعنى اننا لا نستطيع ان ندرجه ضمن تيار النهضة الفكرية العربية التي عاشت لحظة الصدمة بالثقافة الغربية وعانت أزمة الهوية وكان الوجود الاستعماري عاملا مضاعفا لتعقيد التحدي الغربي والدعوة لتقليد الغرب كسبيل للنهوض. كما ان الفارق بين زمن النهضة في نهاية القرن التاسع عشر و زمن ادوارد سعيد في العقود الثلاث الأخيرة من القرن العشرين يحمل اختلافا كبيرا ربما ان أسئلة الغرب في الثقافة العربية لم تتغير كثيرا لكن ثقافة الغرب تغيرت ودخلت في شبكة هائلة من التداخل مع ثقافات العالم مع احتفاظها بمبدأ المركز والهامش والحق في الهيمنة بالإضافة إلى العولمة وتجلياتها الثقافية المتعددة.
ومن ناحية أخرى لم تكن تجربة ادوارد سعيد في الولايات المتحدة رحلة أوهجرة مثقف عربي بل كانت تجربة حياة كاملة عاشها كمواطن أمريكي واستطاع ان يصل إلى أعلى مكانة علمية وثقافية وهنا يظهر الاختلاف في حالة ادوارد سعيد أو المفارقة في عودته إلى المكان واختياره للثقافة. يقول ادوارد سعيد في مقدمة كتابه (خارج المكان) :(ان الجديد في ادوارد سعيد المركب الذي يظهر في هذه الصفحات. هو عربي أدت ثقافته الغربية ويالسخرية الامر إلى توكيد أصوله العربية. وان تلك الثقافة إذ تلقي ظلال الشك على الفكرة القائلة بالهوية الأحادية تفتح الأفاق الرحبة امام الحوار بين الثقافات».
ان ادوارد سعيد مثقف عربي –غربي وهو وارث أصيل للتفاعل الصعب بين العالم العربي والغربي. هذا التفاعل الذي تمتد جذوره إلى مراحل سابقة للإسلام لكن جذوره الحداثية ترتبط بحملة نابليون على مصر 1798م. التي هزت سكون الشرق وأيقظت عوامل النهضة في الثقافة العربية. ويعتبر ادوارد سعيد نتاجا لهذه النهضة رغم الانقطاع الذي عاشه عن الثقافة واللغة العربية وانقطاعه كذلك عن العالم العربي لعقود من الزمان تحول فيها إلى قطعة من تاريخ وجغرافية زرعت خارج مكانها إلا ان روح الشرق ظلت كامنة في داخله فارتباطه بالمكان كان عميقا وهنا تبرز أهمية المكان في فكر ادوارد سعيد كما سنلاحظ وهذا هو سر إعجابه بالمفكر الايطالي انطونيو غرامشي الذي يعبر عن هذه العلاقة التاريخية بالمكان. التي تترك اثارا عميقة في النفس البشرية.
يقول غرامشي في دفاتر السجن:ان نقطة انطلاق الاتقان النقدي المحكم في وعي المرء لما هو حقا وهو اعرف نفسك كنتاج للعملية التاريخية حتى اللحظة الحاضرة التي أودعت فيك آثارا لا حصر لها دون ان تترك جردا بها.
هكذا نلاحظ اننا بحاجة إلى مدخل آخر مختلف لدراسة حالة ادوارد سعيد العائد إلى الشرق.فهو ليس عصفورا من الشرق…يرحل في مواسم الهجرة إلى الشمال حالته الثقافية لا تشبه الطهطاوي ومحمد عبده وهي تختلف كذلك عن طه حسين وغيره من المثقفين العرب الذين رحلوا إلى اوروبا واقتبسوا شيئا من أنوارها وعادوا إلى أوطانهم حاملين أسئلة الذات والآخرالشرق والغرب التراث والحداثة.وأسسوا لنهضة فكرية لم تتمكن من اكتمال مسارها امام قوة الأصولية الفكرية وامام التذبذب السياسي والفكري الذي أراد الإمساك براية التغيير من الوسط وكانت النتيجة انكسار التنوير وتعثر النهضة الأولى والثانية. أما الحداثة العربية فقدت ولدت حامله معها ركاما من أثقال التأخر ولم تكن تعي من فكر الحداثة وفلسفتها سوى ان ترمي بالتراث واللغة وتقاليد الكتابة العربية من اقرب نافدة «لتنطلق في عجمة اللغة والكتابة والهوية الضائعة بسبب التقليد للغرب وادبه وفنونه كذلك لا ينتمي ادوارد سعيد إلى ثقافة المهجر وأدبه رغم اجتماعه في الأمريكيتين فالخطاب النقدي الذي حمله ادوارد سعيد يختلف عن الادب الرومانتيكي الذي حمله جبران وابو شادي وميخائيل نعيمة وتحليله الفكري لعلاقة الشرق والغرب تختلف عن أطروحة أمين الريحاني في «كتاب خالد» الذي نظر إلى هذه العلاقة على اساس روحانية الشرق ومادية الغرب أو التفاعل الحضاري بين الشرق والغرب. ادوارد سعيد يرفض هذه الثنائية فالشرق هو صناعة غربية او انه نتاج لكتابات المستشرقين وكيان خارج من أرشيفهم ودفاتر رحلاتهم.
ونحن نميل إلى مقاربة ادوارد سعيد من منظور مختلف فهو لم يكن مثقفا عربيا يرحل أو يهاجر إلى الغرب بل ان مساره معاكس انه مثقف غربي بأصول عربية يعود إلى الشرق ويعيد اكتشاف الجغرافيا والتاريخ وتعلم الثقافة واللغة. وربما يكون من الأفضل ان نقول ان ادوارد سعيد مثقف كوني جمع في فكره الشرق والغرب ورفض أي تمايز بينهما على أساس الجغرافية أو الجنس والسلالات وهو في مساره أو تحوله في اتجاه الشرق الأوسط وفلسطين على وجه خاص حيث ولادته في القدس ومصر حيث عاش سنوات من عمره هناك وحمل ملامح هويته العربية من مدينة القاهرة التي يتحدث دائما انه يحسن الانتماء اليها رغم ان حياته فيها انحصرت بين المنزل وكلية فيكت

قد يعجبك ايضا