التصوف صدق وخلق
عارف الدوش
عارف الدوش –
يذكر بعض الباحثين أن التاريخ يسجل لبعض الصوفية المسلمين مواقف لا تنقصها الشجاعة إزاء نصح الحاكم ورده عن ظلمه في عزة مدهشة قل أن توجد في هذا العصر وقد كان اتصال أغلب المتصوفة بالقاعدة الشعبية أوثق منه بالقمة فكانوا أعرف الناس بآلام الناس وآمالهم وأدى بعضهم دوره الإنساني في مجال المواساة والإسعاف والإنصاف والإرشاد ولم يقبع ويحجم إلا المتصوف ذو المزاج المريض.
هناك نماذج من رجال التصوف دعاة صادقون وأولياء مخلصون وعباد زاهدون وأتقياء عاملون ورجال مجاهدون استلهموا حقيقة الدين وجوهره واستوعبوا مقاصده فالتزموا الكتاب والسنة واتبعوا سلف الأمة فقاوموا انحرافات مدعيي التصوف فجعلوا التصوف طريقا للتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل فتزودوا بالتقوى والزهد والورع وجعلوا التصوف مدرسة تعلم المريدين تهذيب النفوس وتصفية القلوب مما علق بها من أدران الدنيا الفانية فنذروا حياتهم لخدمة الدين والمجتمعات معا فتفاعلوا مع مستجدات بلدانهم وأحداثها الجارية فتقدموا لخدمة الناس ونفعهم وخاضوا معترك الحياة .
هم رجالا ونساء لم يكسلوا عن السعي والعمل والأخذ بالأسباب المشروعة واكتساب المال الحلال ولم يهادنوا الظلمة والمستبدين والطغاة فتمكنوا من اجتذاب الأتباع والمريدين وربوهم تربية إسلامية صالحة وحثوهم على البذل والعطاء والتضحية وغرسوا فيهم نموذج القدوة الصالحة النافعة فدلوهم على طرائق العبادة الشاملة ودفعوهم للقيام بواجب الدعوة إلى الله ونشر الدين بالدعوة الحسنى انطلاقا من قوله تعالى “وجادلهم بالتي هي أحسن ” وهم ينظرون لأي إنسان عاص بأنه مسكين في غفلة فينصحونه ويدعون له بالهداية بأسلوب مرن ومقبول ولا يغلقون عليه أبواب التوبة والمغفرة ولا يلجأون إلى النهر والدعوة إلى تنفيذ العقوبات وإنما هدفهم إصلاح الناس وليس تنفيرهم من العبادات والقربات والذكر .
ومن الذين كانت لم بصمات واضحة في تجديد التصوف الإسلامي ونقله إلى سلوك زهدي تعبدي يعتمد على المجاهدات والرياضات الإمام ابو حامد الغزالي والجنيد البغدادي وعبدالقادر الجيلاني وأبو الحسن الشاذلي وتلاميذ ابو الشاذلي من بعده ابو العباس المرسي وابن عطاء الله السكندي وعبدالله بن المبارك وفي اليمن اشتهر مجدد التصوف الشيخ أحمد بن علوان وتلامذته من بعده وفي عصرنا الحديث ظهر رجال تصوف مجددون منهم الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي صاحب مستغانم الجزائرية الذي تتلمذ على يديه عدد من كبار رجال التصوف أمثال الشيخ المجاهد عمر المختار الذي قاد معركة مقاومة الإستعمار في ليبيا وقدم روحه فداء لدينه ووطنه راضيا رافع الهامة والأمير عبدالقادر الجزائري في بلاده الجزائر ابلى بلاء حسنا ضد الإستعمار وفي مقاومة الظلم والإستبداد ومحمد بن عبدالكريم الخطابي قائد ثورة الريف المغربية.
وفي اليمن يعد الشيخ عبدالله بن علي الحكيمي شيخ الأحرار اليمنيين المصلح والمناضل والداعية والمجاهد رجلا في أمة قاوم الظلم والإستبداد من قبل نظام الإمامة وتشرد وطورد فهاجر ليقوم بدور تنويري في بريطانيا وفرنسا واسلم على يديه المئات في بريطانيا وأسس هناك مسجدا وزاوية وألف كتبا حول الحوار مع الآخر ودين الله واحد وحول التصوف ومفهومه وهو أحد أعلام مدرسة الإصلاح والتجديد اليمنية وأحد كبار رموز العمل الإسلامي في الغرب ومن أوائل الدعاة إلي حوار الأديان وحوار الحضارات بل له فضل السبق في الحوار والدعوة الإسلامية في الأوساط الغربية وبهذا أكتسب ألقابا كثيرة فهو مفكر مجدد وعالم فقيه ومصلح وداعية ومرب صوفي وكاتب صحفي وقائد حركي ومناضل سياسي وثائر وطني.
فالتصوف ليس ضعفا وانعزالا وقوقعة إنه الجهاد في أعلى ذراه والعلم في أصفى موارده والخلق في أعلى مثله والإيمان في أسمى أنواره وإشراقاته لقد كان التصوف الإسلامي طوال أيام تاريخنا المضيء المنتصر هو القوة الملهمة والروح الصانعة والدرع الذي يحمي أخلاقنا ويصون عقائدنا ومكتسباتنا ويحول بيننا وبين التحلل والتفكك والفناء.
ولا شك أن الصوفية الأفذاذ استطاعوا أن يحملوا الرسالة الإسلامية ويمشوا بنورها إلى آفاق لم يمتد إليها نفوذ الإسلام وتبلغها دعوته إلا على أيدي رجال الطرق الصوفية ففتحها الصوفية وهيمنوا عليها بنجاح ساحق ولنا في أهلنا في حضرموت مثال يقتدى فجل قبائل وشعوب آسيا وأفريقيا أسلمت كلها بفضل إخلاص رجال الطرق الصوفية ودعوتهم وخاصة صوفية حضرموت الذين نقشوا في الصخر مآثرهم في تلك البقاع .