مصر تستعيد ريادتها

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - أتذكر أننا كنا نتحدث أنا وثلة من الأدباء والمثقفين قبل عام 2011م عن حالة الخفوت وحالة التدهور والتراجع في الدور الريادي لمصر قال بعضنا حينها إن مثل تلك الحالة بدأت كنتيجة
عبدالرحمن مراد –

مقالة

أتذكر أننا كنا نتحدث أنا وثلة من الأدباء والمثقفين قبل عام 2011م عن حالة الخفوت وحالة التدهور والتراجع في الدور الريادي لمصر قال بعضنا حينها إن مثل تلك الحالة بدأت كنتيجة طبيعية لحرب تموز في لبنان فقد كان للحرب نتائجها في المنطقة ولعلنا لاحظنا مثل ذلك أو شعرنا به.
بعد تلك الحرب بالتحديد بزغ الدور السياسي والثقافي لتركيا وإيران وغرب نجم مصر وكان غيابها مثار تساؤل عند الكثير والتساؤل كان مصحوبا بالأمل والثقة الكبيرة في عودة مصر إلى نسقها ومكانها الطبيعي فمصر التي تمتد في العمق الحضاري والثقافي وتفاعلت مع كل الحضارات والأمم والثقافات لا يمكن أن تكون تغريدة نشاز في عالم يبدع ويصنع لحظته الجديدة بكل التموج والتفرد والتميز الحداثي.
وطوال خمسة أعوام من الانكسار «2005م-2011م» عانت مصر الغياب والنكوص والشعور بفقدان القيمة وتلاشي الدور الثقافي والحضاري والسياسي إلى درجة أن المنتج الدرامي المصري تراجع إلى مراتب متأخرة في مقابل الدراما التركية الاجتماعية والسياسية الايرانية التاريخية الدينية وفي مثل ذلك دلالة على تراجع التأثير المصري في مقابل التأثير الجديد لتركي والإيراني وهو ما يمكننا قراءته في البعد السياسي الذي برز بوضوح بعد 2011م.
انتفض الشعب المصري في يناير من عام 2001م انتقاما من حالة الغياب التي وصل إليها وانتصارا لمعادلة وجوده في النسق الثقافي والحضاري واستعادة لدوره السياسي المؤثر في المنطقة وحضر المثقف والفنان والسياسي وحضر الديني والعلماني وكانت مصر هي القاسم المشترك بين كل ذلك الطيف المتعدد في النسيج الاجتماعي المصري.
وفي 30 يونيو 2013م كانت مصر هي الأكثر حضورا في الخطاب السياسي وظلت الانقسامات ذات دين واحد وهو مصر وسواء اتفقنا مع القائلين أن ما حدث في 30 يونيو كان انقلابا عسكريا أم لم نتفق فالموقف في الغالب يكون مبنيا على رؤية وإن كنت أميل إلى القول أن ما حدث في ( 30يونيو) في مصر كان ثورة شعبية تصحيحية بمساندة الجيش وذلك بالقياس إلى ما حدث في 25 يناير 2011م فالملاحظ أن الحضور الطاغي للسياسي وللمثقف قد انتج شعورا عاما أن مصر بدأت تستعيد دورها في النسق الحضاري والثقافي والسياسي وكانت الدراما المصرية هي الأكثر ظهورا وبروزا في المشهد العام وقد لاحظ المتابع ظاهرة التعدد واحترام معتقدات وثقافات الجماعات وهي ظاهرة لم تكن بهذا الظهور التي هي عليه الآن وقد حملتها مفردات الخطاب السياسي لحركة “تمرد” وجل القوى السياسية المتفاعلة في المشهد السياسي المصري ما عدى الأخوان الذين لم يستوعبوا حركة التطورات وحالات الانتقال التي حدثت وتحدث فالديمقراطية لا تعني مطلقا غياب المشروع وتحديد المفاهيم فالدولة في فكر الأخوان لما تزل فكرة عائمة وضبابية وكذا وظيفتها أكثر ضبابية ومثل تلك المثالب في جدار الفكر والتصورات العامة كانت سببا مباشرا في الانتفاضة الشعبية في 30 يونيو وهي انتفاضة سيكون لها آثار مباشرة وغير مباشرة في المحيط الإقليمي ولعل الدولة التي وقعت تحت تأثير مناخ الربيع هي الأكثر تأثرا بها فالإثارة المباشرة قد نشهدها في صورة انتفاضات مماثلة في تونس وليبيا وغير المباشر قد تشهدها في اليمن من خلال حركة الانتقالات ومخرجات الحوار الوطني التي ستكون الأقرب إلى وجدان الشعب وتطلعات الجماهير بعد أن كادت أن تعصف بنا الرياح في مربعات الحقد والاستعلاء والكي السياسي وإقصاء الآخر تحت وطأة المناخات الملائمة لا يمكن لأي منصف يعي حركة وتموجات المرحلة أن ينكر أن 30 يونيو في مصر قد أحدث قدرا من التوازن النفسي والاجتماعي والسياسي والثقافي وحاول جاهدا أن يحدد مسار اللحظة الثورية ويعيدها على نسقها الطبيعي.
فالعقلية النقلية تتسم بالثبات وهي غير قادرة على التفاعل مع المستجدات ولا يمكنها أن تستجيب لضروريات الانتقال بشكل غير مسبوق في كل مراحل التاريخ المختلفة ولذلك يفترض بكل القوى الثقافية والاجتماعية والسياسية أن تعيد صياغة نفسها بما يتوافق وضروريات اللحظة الحضارية التي نعيشها.
والديمقراطية في واحد من معانيها هي سلطة الشعب والشعب الذي يمنح تفويضا لمشروع سياسي هو قادر على سحب تفويضه في أي لحظة وتكمن الفاعلية في حسن إدارة التدفق الجماهيري وتوجيه مساره ولذلك ليس من السياسة أن تظل ثابتا ومتحجرا لا تتحرك مع رياح السياسة ولا تلبي مزاج الجماهير لأنك حينها تذهب على الفناء السياسي بغباء سياسي مفرط.
أثق أن مصر سوف تنتصر وسوف تجتز حالة الانقسام وتعود لريادتها.

قد يعجبك ايضا