الترجمة والنقد

ترجمة : محمد عبد الواحد الكميم


ترجمة : محمد عبد الواحد الكميم –

نيل براتون
Neil S. Braton

تدل المفردات المحدودة التي تتواتر مرارا من خلال التعاطي مع الأعمال المترجمة المطبوعة على حالة الأرتباك والمعاناة التي تواجه النقاد الذين يتصدون لعملية معالجة الأعمال الأدبية من منظور نقدي. وغالبا مايتردد مراجعو الأعمال المترجمة في التعليق على طبيعة الترجمة حتى أنهم في بعض الأحيان لايشعرون بأنهم يقومون بمثل عملية المراجعة هذه أذ أنهم يتعاطون مع العمل المترجم وكأنه قد كتب باللغة الأنكليزية في الأصل.
تأسيسا على ذلك يمكن التنبؤ بالتعبيرات التي يمكن أن تطلق على الأعمال المترجمة مثل :(ترجمة جميلة) أو (عمل رائع) أو (هذه الترجمة الخرقاء) أو (تبدو هذه الترجمة متقنة) أو (هذه الترجمة تتصف بالحساسية والولاء الحقيقي في روحها) أو (لغة هذه الترجمة منظمة لكنها تتصف بالرتابة والأفتقار الى اللغة الرفيعة فضلا عن حالة التوتر التي تسودها) أو (رغم أن مثل هذه الترجمة تعبر عن قدرة المترجم غير أنها لاتتصف بالتألق المطلوب) أو (الترجمة مناسبة لكن يشوبها الجفاف والأبتذال كما أنها لاتبدي تحسسا لبعض الأشارات الثقافية).
من السهولة بمكان توجيه النقد لمثل تلك التعليقات غير المناسبة لكننا نجد من الأنسب أن نتطرق الى مسؤوليات الناقد الذي يتولى مهمة مراجعة الترجمات ونقدها. ترى ماوظيفة نقد الترجمة ومن يتولى مثل هذه المهمة¿ أولا يتعين على ناقد الأعمال المترجمة أن يكون واسع الأطلاع على اللغة المصدر والسياقات الثقافية والجمالية للعمل الأصلي وكذلك الأختلافات اللغوية بين اللغة المصدر واللغة الأنكليزية.
ولأن قلة قليلة من نقاد الترجمة هم من المترجمين أنفسهم فأنهم غير مؤهلين لما يتطلبه مثل هذا الأمر من تفكير وبحث رصين والقيام بنشاطات أبداعية تتطلبها عملية الترجمة في ضوء السعي لترجمة ناجحة. ولأن من الصعوبة بمكان تحديد طبيعة الترجمة الناجحة فأنه يصعب أيضا تحديد معايير نهائية لمثل هذه الترجمة لكننا مع ذلك نستطيع تشخيص بعض المعايير التي يمكن أن تحدد ماأذا كانت الترجمة قد حققت مبدأ العدالة لنص اللغة المصدر.
مثاليا يتعين على النقاد أن يضعوا المؤلفين الأجانب في أطار مجمل آثارهم الفنية أو الأدبية وكذلك لغتهم وثقافتهم. ثم أن المترجمين يقدمون للقراء عملا كاملا أي نسخة نهائية لاتحمل في طياتها أي أثر من آثار عملية أتخاذ القرار أو الأحباطات التي صاحبت عملية الأعداد للنسخة النهائية فالنص المترجم يبدو (هادئا) الى حد كبير على الصفحات المطبوعة فهو لايتحدث عن عمليتي البحث والتفكير اللتين أسهمتا في بلورة العمل المترجم. وفيما نتلقى نحن القراء النتاج النهائي المترجم وهو نتاج يتسم بالثبات في صيغته النهائية يعكف المترجمون بعدئذ على أعادة فتح الحوار بين النص المترجم والنص الأصلي فيقومون بتأشير العناصر المتنافرة البارزة التي تتضح معالمها أثناء عمليات النقل الثقافي. كما أنهم يشخصون السمات الأجنبية في النصوص الأصلية ومن ثم يقومون بعملية تقييم لمدى أعادة صياغة مثل هذه العناصر في اللغة الأنكليزية. كما أنهم يضعون خطوطا فاصلة حول الظواهر الثقافية والتاريخية التي لايمكن أعادة صياغتها بدقة في اللغة المترجم اليها.وأخيرا يعيننا المترجمون على فتح أعيننا على أوجه تطور الثقافات عبر العصور ويمكنوننا من تقييم العناصر الأجنبية التي يحملها نص اللغة الأصلي.
ولاريب أن أفضل من يتولى مهمة مثل هذا النقد ويمارسه هو المترجم ذاته لكن من المستبعد أن يجد المترجمون الوقت الكافي لمواصلة عملية نقد الترجمة. وفي عالم النقد الأدبي نعلم أن بعض الكتاب المبدعين دبجوا بأقلامهم أجمل الكتابات النقدية عن غيرهم من الكتاب ومنها مقالة هنري جيمس Henry James عن ناثانيل هوثورن Nathaniel Hawthorne التي ماتزال تمثل تحفة أدبية في مجال النقد الأدبي. من هنا يمكن النظر الى المترجم بأعتباره ناقدا مؤهلا لأن يتولى مهمة تقييم الترجمة.
يمضي المترجمون جل وقتهم في ترجمة النصوص مما يجعل الوقت المتاح لهم في تقييم الأعمال المترجمة ونقدها مقيدا الى حد كبير. من هنا تبدأ الرحلة الجديدة نسبيا لناقد الترجمة الذي يمكن أن تؤدي نشاطاته بكل سهولة الى استحداث آفاق بحثية جديدة في ضوء الدراسات الأدبية والثقافية. ولابد ان يكون ناقد الترجمة المثالي قادرا على تقييم الأبعاد اللغوية والأدبية والجمالية للغة المصدر وأن يكون على الفة باللغة الأجنبية والأحاطة بالتراكيب اللغوية لتلك اللغة بهدف تحديد الأختلافات بين اللغتين في مجال المدركات الحسية. وعندئذ يمكن أن نتوقع نقاشا واقعيا حول نجاح المترجم أو اخفاقه حيال أعادة صياغة الفوارق الدقيقة في نص اللغة الأصلية لدى ترجمتها الى اللغة الجديدة. من هنا يعمل ناقد تلك الترجمات على بلورة حوار ثمين بين النص الأصلي والن

قد يعجبك ايضا