في ذكراه الـ37 مازال في ضمائرالناس

عبدالرحمن طاهر

 -  قبل استشهاده كانت صورته في كل مكان في المقاهي والواجهات العامة وفي المنازل..
الصورة تكاد تكون نسخة واحدة مكررة رفعها الناس بعفوية وكبرها البعض في الأستديو ووضعها الآخر في برواز خشبي سميك مزخرف ورائع معتقدا أن البرواز لائق بمن يحتويه ...! على الرغم أنه كان قد وجهه بإنزال صورته ورفع لفظ الجلالة بديلا لها.
عبدالرحمن طاهر –
> قبل استشهاده كانت صورته في كل مكان في المقاهي والواجهات العامة وفي المنازل..
الصورة تكاد تكون نسخة واحدة مكررة رفعها الناس بعفوية وكبرها البعض في الأستديو ووضعها الآخر في برواز خشبي سميك مزخرف ورائع معتقدا أن البرواز لائق بمن يحتويه …! على الرغم أنه كان قد وجهه بإنزال صورته ورفع لفظ الجلالة بديلا لها.
داخل البرواز رجل وسيم يؤدي التحية العسكرية ويرتدي البزة الرسمية لجيش مهاب ومحترم بدت على شخصية الرجل كاريزما عجيبة اختلطت بها الوسامة والبراءة والصدق والصرامة معا وكأنه يحدد ملامح المستقبل ويؤكد العزم على بلوغه..
في اليوم التالي لمقتله 12 اكتوبر 77م خرجت تعز تندد وتستنكر وتطالب بالاقتصاص ممن غدروا به الاحتجاجات عمت المدينة وجابت أنحاءها على الرغم من حاله الخوف والطوارئ والهلع الذي أصاب الناس جراء جسامة الحدث خرج الناس إلى الشوارع رجالا ونساء شيوخا وأطفالا وطلابا كنت طالبا في الإعدادية وفي الـ14 من العمر لم أكن مدركا لكل ما يجري حينها شاركت ـ لأول مرة ـ في تلك الاحتجاجات وأظنها استمرت لأيام حينها خيم الحزن على تعز وشلت الحركة فيها وتعطلت الأعمال والمصالح وبدت على وجوه الناس حالة من الحزن والترقب والقلق علق الناس الشارات السوداء على المباني والسيارات وياقات ملابسهم كنت مشدوها بذلك وبالمظاهرات المنددة بالاغتيال أهتف مع الجموع متأثرا بالحدث المؤلم .. شاهدت نساء كبيرات في السن يرفعن صورته المبروزة بالخشب المزخرف مازال صوت تلك المرأة المسنة يتردد في سمعي وهي تستقبل المسيرة أمام الغرفة التجارية بتعز كانت تصرخ وتردد باكية :(الله يقتله من قتلك )!..
وسط المسيرات حينها تأكد لي معنى أن يضع الناس الصورة ـ قبل استشهاد صاحبها ـ في برواز مذهب ويعلقونها في بيوتهم إلى جانب صور أبنائهم حينها كان التصوير وتكبير الصورة وتلوينها مكلفا ولم تكن تقنية التصوير متطورة كما الآن ..
مازلت أتذكر بعض من أحاديث الناس حوله: المقدم الذي طبعوا صوره مجانا كما طبع حبه في قلوبهم وسريعا ما أحبوه بصدق وبعفويه لكنه تركهم كالأيتام وغادر دون وداع سمعت حكايات عنه قبل وبعد استشهاده وكيف أن أحدهم قبله بشغف ولم يجد صعوبة في الوصول إلى رأسه فلا حراسات ولا نخيط وهو في تعز أو حين أهدى ساعته اليدوية لمخلص في عمله أو حين أوصله رجل الأمن إلى قسم الشرطة في الحديدة للاشتباه به لخروجه ليلا وغيرها من الحكايات التي جسدت المسئولية لحاكم احترم شعبه وأحبوه وبادلوه الوفاء بالوفاء ظل البعض يردد جملا من خطاباته : (الرجل المناسب في المكان المناسب وتجريب المجرب خطأ مرتين والخ) لم يكن الفساد في زمنه قد استشرأ…
ــ لقد ادركت لاحقا ــ من خلال القراءة ــ كم كانت حاجة اليمنيين ماسة لرجل وطني نزيه مثله ــ وما تزال الحاجة قائمة ـ وتأكدت أن مجيئه إلى الحكم حينها شكل إعادة اعتبار لقيم سبتمبر ومحاولة لإعادة صياغة أهدافه المؤجلة وكأن اليمن كانت على موعد معه وفي انتظاره لكنه غادرها باكرا قبل الأوان وتركها في مهب سنوات الضياع قبل نضوج ثمار غرسه التي استعصت على الطمس ولأنه كان قد أرسى بسلوكه ورؤيته كرجل دولة قواعد البناء وغرس بذرة العمل الصالح وبنى نموذجا وغادر دون استئذان بعد أن شجع قيم العلم والعمل والإنتاج وحث على التوجه نحو الاعتماد على الذات وشحذ الروح التعاونية لدى الناس وترك النموذج لتجربة تعاونية رائدة وصالحة للاحتذاء …
بسيرته العطرة وبسلوكه النبيل جسد حقيقة المثل الأعلى للقائد الوطني الرمز الذي قاوم الضغوطات ورفض المغريات ليتخلى عن تطلعات شعبه فأنحاز للناس فأحبوه وترددت سيرته الوطنية على كل لسان وكانت عصية على الطمس والإلغاء.. وبعد استشهاده تخلد أكثر في عقول الناس وضمائرهم وما يزال..
ذلك هو الشهيد :إبراهيم محمد صالح الحمدي رحمه الله..
هامش إضافي
مازلت أتساءل كيف أن شبابا لم يعيشوا زمن الحمدي حملوا صوره في المسيرات وفي كل الساحات خلال العام 2011م بلا كلل أو ملل هل هو الحب المتوارث عبر الأجيال الذي عوض الشهيد عن الجحود والنكران أم هو الخلود الذي يناله ــ فقط ــ العظماء أم هو وفاء الشعوب لرموزها ..¿¿
(للشعوب منطقها الخاص حينما يكون عليها أن تنقذ نفسها في الوقت المناسب).

د.ياسين سعيد نعمان

قد يعجبك ايضا