” العقاب ” وداعا أيها الإنسان الكثير

عبدالكريم المدي

مقالة


عبدالكريم المدي –

مقالة

الشاعر والكاتب والناقد.. الذي رحل عن دنيانا مؤخرا “مصلح العقاب ”
واحد من المبدعين القلائل الذين غسلتهم الطيبة والزهد وقيم الأدب الأصيلة ومضوا .
من دون أن يجرحوا أحدا .أو تشغلهم الفواصل والنوافل الصغيرة والتافهة عن قيم الأدب والإبداع الأصيلة وكل قيم الإنسانية الرفيعة .
بقدر ما كان ذلك “العلم ” صادقا وجميلا..كان – أيضا- مخلصا لكل الأشياء الجميلة التي تربى عليها وآمن بها .حتى حينما ألم به المرض ..منذ سنوات عدة لم نجده يتوسل أحدا أو يشكو حالته لأحد من البشر أو يطرق الأبواب الصدئة والقلوب والنفوس الممتلئة بالنكران والتجاهل والجحود والتخاذل في الثقافة أو غيرها من مؤسسات البلد الرسمية والأهلية.
ولم يعلن – أيضا – ذلك الزاهد المبدع.. تمرده عن هذا الواقع الأعوج ..المشوه.. حتى بكلمة واحدة .سيما وهو القادر على الكتابة وتوجيه النقد ..
وتعرية هذه المشاهد القبيحة التي تبد فيها حياة الإنسان ومصالحه لا قيمة لها ..وخاصة شريحة الأدباء والكتاب والمبدعين المقهورين والمحرومين ..
لقد عرفت صديقي الشاعر ” العقاب ” منذ سنوات عدة..حيث كانت بدايتها الأولى – وأنا طالب في الجامعة – وكان يكتب حينها في صحيفة الرقيب ( المتوقففة حاليا ) وبعدها توطدت تلك المعرفة وتواصلت لقاءاتنا وجلساتنا الكثيرة. وفي جميعها – تقريبا – كان يمدني بالتشجيع والإشادة والجرع المعنوية التي مثلت دافعا هاما ومصدر اعتزاز وفخر كبيرين بالنسبة لي.. .
على أية حال..ولمن لا يعرف الكثير عن الأديب ” العقاب”
أود أن أضيف وأقول للفائدة والتاريخ – أيضا – : إنه ..ورغم كل ما كان يتميز به من ثقافة واسعة..وخاصة في جانب التراث والشعر الشعبي اليمني .. بألوانه وتعدداته المختلفة .إلا أنه فضل – دائما – البقاء متواريا فلم يبحث عن الشهرة أويطرب لها مطلقا..ولم نجده.. يوما.. يطل من على شاشة إحدى الفضائيات أو حتى من خلال هذه الصحيفة أو تلك ليفضل ملازمة مقامه الوثيرالمتواضع .. محاطا بالزهد والمحبتة وبكل المعاني والصفات الجميلة..
ولعل أكبر دليل على ذلك هو أنه لم يحظ – كغيره على أقل تقدير – ببرقيات العزاء لأسرته من الرئاسة أو من قيادات بعض الأحزاب ..أو حتى من قبل أحد أهم المعنيين كـ”وزارة الثقافة – مثلا- أو إتحاد الأدباء والكتاب “اللذين لم يقدما بيان نعي أوبرقية عزاء أو ماشابه ..!
لكن ..في ظني إن “العقاب ” الشاعر الناقد ..وقبل كل هذا الإنسان.. ليس بحاجة لكل ذلك .ويكفيه محبة أصدقائه وما تركه من أثر إنساني وأدبي ونقدي حي ومنطبع في الأجيال وذاكرة الزمن .
أقر – كما أقر من قبلي الشاعر والناقد الكبير الأستاذ” علوان الجيلاني”
أن ذنبي تجاه الراحل المبدع “العقاب ” كبير جدا ولن تغسله مقالة وطرح كهذا..
لقد تجاهلت – مع من تجاهل – جمال وإنسانية وحاجة الراحل – غير المعلنة والمخفية في أعماق عزته وكرامته – لموقف أدبي وإنساني شهم ..سيما وهو يعاني المرض الشديد..كما أعتقد أنني لم أكن يوما مدركا لحقيقة أنه لا يوجد ” مصلح العقاب ” في حياتنا .. إلا هوووووو ” فقط ”
وبكل أسف أقر – أيضا – إن ما بدر مني من عدم تقدير كامل لعظمته كان يصاحبه كل المشاعر الحميمية والإنسانية والأدبية التي طالما غمرني بها كل ما ألتقيته ..من دون أن ينتظر” البتة ” ردا أو مقابلا لها ..
آه لكم أحس بفقد وأزمة ضمير تجاهك – يا صديقي “مصلح “..لقد كنت القريب من نفوسنا وعوالمنا وحاجتنا الحقيقية لأمثالك من الرائعين.. الأنقياء المبجلين ببساتين الود والمحبة والأم والإبتسامة الصادقة التي تلامس القلب سريعا دون جهد أو اعتساف أو مجاملة أو نفاق ..!!
لن أنساك ما حييت ..ولن أنسى سؤالك عن كل الزملاء والأصدقاء الذين لم يغادروا ذهنك وقلبك يوما حتى في أشد معاناتك المرضية ومكابداتك للواقع المر ..!!
لن أنسى سؤالك الدائم المجروح الصادق المحب عن صديقك ” ناصر محسن الوصابي” الذي لم تكف يوما في السؤال عنه ..وفي آخر مرة ألتقيتك قبل رحيلك عن دنيانا بأقل من (10) أيام وأنت تطلب مني أن أعطيك رقم هاتفه .. لأنه لم يعد – كما قلت لي – يرد على رقمه القديم ..!
وهذا لم يوقفك في السعي الحثيث لسماع صوت صديق عزيز أحببته .وما زلت…!!
يا إلهي لكم أنت إنسان – يا مصلح – ولكم نحن ..جحودين بمحبتك وعظمتك واستثنائيتك ..!
ولن أنساك – أيضا- أيها الغائب / الحاضر.وأنت تتضامن مع الزميل الشاعر “فيصل البريهي” وتبحث له عن حياة ..ومساعدة علاجية مشروعة ..في الوقت الذي كان الموت يحيط بجسدك النحيل من كل جانب..ولم يساعدك أحد منا جميعا منذ سنوات عدة وأنت تمووووت ..تمووووت ..تموووت.. ببطء كالأشجار الواقفة ..
“أحمد المعرسي”
صديقي الشاعر الأجمل ..الأوفى ..أحمد المعر

قد يعجبك ايضا