لماذا نريد دولة مدنية ورئيسا مدنيا¿

د. يحيى بن يحيى المتوكل

 - تداخلت علينا في الفترة القريبة الماضية الكثير من المصطلحات والتوصيفات للدولة المثالية والنظام الأمثل في ظل توافق ظاهري حولها بين كافة الأطراف السياسية واختلاف وجهات النظر حول مكنوناتها بما في ذلك المقصود بالدولة المدنية.
د. يحيى بن يحيى المتوكل –
تداخلت علينا في الفترة القريبة الماضية الكثير من المصطلحات والتوصيفات للدولة المثالية والنظام الأمثل في ظل توافق ظاهري حولها بين كافة الأطراف السياسية واختلاف وجهات النظر حول مكنوناتها بما في ذلك المقصود بالدولة المدنية. ولا أنوي هنا خوض غمار هذه المسألة ولا سبر نفوس ونوايا الناس حول هذه المفاهيم وأغراض تلك الأطراف القريبة منها والبعيدة بقدر ما أريد أن ألفت الانتباه إلى مسألة في غاية الأهمية نتغافل عنها في معمعة كثير من الجدل العقيم الذي أصبح طابع نشاطنا ومشاغلنا اليومية.

واذا اختزلت مفهوم الدولة المدنية بدولة النظام والقانون أو على الأصح القانون والنظام والمواطن المتساوية ودون التطرق لتفاصيل تلك الصفة الأولى وذلك الحق التالي فإن الدولة المدنية لا يمكن أن تتحقق أو تستقيم أمورها دون أن يكون رأسها نفسه مدنيا وهنا بيت القصيد. وحتى استبق الشكوك وسوء الظنون وهي للأسف الأصل والغالبة في تفكيرنا وتعاملنا بل وطبيعة علاقاتنا في اليمن أقول أن هناك قادة عسكريين يلزمون الآخرين احترامهم والإعجاب بهم ولن أذهب بعيدا للبحث عن نموذج بعيد بل أكتفي بالتذكير بالشخصية العظيمة والنادرة لسوار الذهب الذي قاد انقلابا عسكريا في السودان لضرورات استدعتها ظروف ذلك البلد آنذاك ولفترة قصيرة تنازل بعدها عن السلطة وسلمها لصناديق الانتخابات. غير أن هذا المثال يعتبر استثناء ولا يقاس عليه وسط أغلبية ساحقة في الماضي والحاضر تستغل مناصبها وتسيء لبلادها وللآخرين أمثال عيدي أمين في أوغندا وسامويل دو وخلفه تايلر في ليبيريا وبوكاسا الذي بلغ مداه إلى تنصيب نفسه إمبراطورا على زائير وغيرهم كثير ممن مثلوا نقاطا سوداء وحالات كارثية في حق بلدانهم وشعوبها.
وفي المقابل هناك قادة ورؤساء ذوو خلفيات مدنية في القديم أو في العصر الحديث أساءوا كل الإساءة لبلدانهم وللآخرين بل وحملوا دولهم وشعوبهم تبعات باهظة لسياسات وتوجهات لم تستطع أن تجمحها أفضل الدساتير والقوانين.
وأقرب مثال على ذلك ما نتج عن سياسات هوجاء لجورج بوش الابن من دمار وقتل في كل من أفغانستان والعراق فضلا عن الخسائر المالية التي تحملتها الموازنة الأميركية والتي تجاوزت التريليون دولار وضحايا الجيش الأميركي وتأجيج التوتر بين الشعوب العربية والإسلامية من ناحية والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى. فالعبرة والتقييم يستند على الحكم العام من خلال أداء الحكام العسكر مقارنة بالمدنيين وهو ما استخلصه الغرب من تجارب الديكتاتوريات العسكرية ولينهي بعد الحرب العالمية الثانية هذه المرحلة ويجعل من الجنرال فرانكو في إسبانيا ختامها حين أعد نفسه لعودة خوان كارلوس ملكا على إسبانيا. إن الإرث الطويل للأنظمة العسكرية في المنطقة العربية بدأ بقيام ثورات وانقلابات عسكرية منذ ثلاثينيات القرن الماضي نتيجة عدم تمكن الملكيات آنذاك من التطور والتكيف مع المستجدات ومن ثم تأثير الحرب الباردة لاحقا ودورها في تقسيم المنطقة بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي الذي عزز نفوذه على الجمهوريات الفتية مقابل إحكام الغرب قبضته على ما تبقى من ملكيات والتي إما ارتبطت بحماية أجنبية أو استفادت مما حدث لغيرها كالسعودية أو الاثنين معا. كما ساعد على بقاء النظام الملكي في تلك الدول سوء أداء البديل الجمهوري – عموما – في المراحل اللاحقة لقيام الثورات إذ لم تظهر تلك الأنظمة من الجمهورية إلا التغني بمبادئها. أما دول الخليج العربية الأخرى فإن ظرفها اختلف كلية عن الملكيات السابقة باعتبارها مجتمعات قبلية وعشائرية حكمتها مشيخات أسرية لفترة طويلة تحت حماية استعمارية ثم تحولت بدفع تلك القوى الاستعمارية إلى دويلات وأنظمة وراثية تزامنت مع تراجع المد الثوري في سبعينيات القرن الماضي. وأعود إلى أهمية الرئيس المدني والذي يعتبر شرطا لازما للدولة المدنية ولنجاحها. وهنا أشير إلى إمكانية تقمص وتغليف شخصيات غير مدنية عسكرية كانت أم قبلية برداء مدني وهو ما شهدناه في حالة العديد من رؤساء الدول العربية الذين أتوا من خلفيات عسكرية ثم هجروا بزاتهم العسكرية واتجهوا للظهور ببدلة مدنية غالية الثمن وأحيانا من أشهر بيوت الأزياء الغربية وكأن ذلك كفيل بأن يجعل منهم حكاما مدنيين
بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومضامين. وفي المقابل هناك حالات مشيخية مشابهة مثل كردستان العراق التي تحاول تلبس مظاهر الجمهورية والديمقراطية وهي بعيدة كل البعد

قد يعجبك ايضا