الجنوب بين (شاب مستقل) و(الحميري)
حسين محمد ناصر


حسين محمد ناصر –

هل يدرك البعض لماذا هذا الحنين إلى الأمس¿! لأن الناس فقدوا الدولة ففقدوا بغيابها ماهيتهم ووجودهم وفقدوا الأمن والاستقرار والنظام والخدمات بل الكثير من واجبات ومهام وأسباب وجود الدولة أي دولة!!
* كنت قبل أن يبدأ البرنامج الحواري الذي يقدمه الأخ جميل عز الدين عن القناة الفضائية أتساءل كيف يتم اختيار ضيوف البرنامج¿! ومرد السؤال يعود إلى رؤيتي للأخ الحميري الذي أطلقوا عليه (خطيب الثورة) وأمامه أحد الشباب المستقلين من حضرموت الذي بدا أقل خبرة وتجربة!!
كنت أحسب أن محاورة الحميري تتطلب وجود مثقف وسياسي يجيد أسلوب الحديث وفي كلماته شيء من الإقناع والفلسفة المعتادة في هكذا برامج لكن ما أن بدأ البرنامج وبدأ الرجلان يتحدثان حتى تخليت عن هذه القناعة وأدركت أن عبارة أو جملة حقيقية وصادقة مكونة من خمس كلمات تستطيع أن تقف في وجه ألف كلمة لا تحمل منطقا ولا حجة إقناع.
كان الحديث يناقش بدرجة رئيسية القضية الجنوبية ورؤية المتحاورين له ولحلها واتضح أن الشاب يحمل قناعة تتمثل أن الحل الأفضل لها هو استعادة الدولة أو في أقل تقدير إقامة فيدرالية من إقليميين!! وظل يدافع عنها ويقدم الدلائل والوقائع التي تؤكد قوله باستحالة بقاء الوضع على ما هو عليه الآن وهذا الرأي بالحقيقة لا يكمن لديه وحده بقدر ما ردده وأكده الكثير من السياسيين ورجال الدولة والأحزاب وعلى رأسهم رئيس الدولة!!
إلا أن (خطيب الثورة) لم يعط رأيا واضحا ويعلن رؤية للحل الأمثل للقضية الجنوبية: ويبدو أن رؤية حزبه حتى الآن لم تنضج أو تكتمل بعد !!
حيث كان محرجا في أكثر من موقف ومبررا لصمته في أحيان أخرى بكلمات لا تقنع طفلا!!
قال إننا كنا نسمع عن القضية الجنوبية بإذن واحدة ونرى بعين واحدة ويقصد أذن وعين النظام السابق!!
* بعبارة أخرى كان تابعا يكرر ما يقال له وينفذ ما يؤمر به لا رأي لديه أو موقف أو قناعة لا يسمع عن مظالم الناس ولا عن قتلى وجرحى ولا مسيرات ولا اجتماعات ولا..ولا..كأنه يعيش في جزر الواق واق حتى قامت مسيرات التغيير وذهب النظام ولكنه ما يزال حتى الآن يطالب بالمزيد من الوقت كي يسمع فيه أصحاب القضية الجنوبية!!
هذا التبرير أدهش محاوره الشاب وأثار استغرابه فرد عليه بالقول رغم أنه يعيش في حضرموت إلا انه ملم بكل قضايا الناس في المحافظات الشمالية يسمعها بأذنين ويرى معاناتهم بعينين لا بأذن أو عين واحدة!!
وأنه يعرف كل تفاصيل مظالم تهامة وأحداث صعدة!! معيبا على محاوره أن يتحدث بهذا الأسلوب السلبي وهذا الموقف الأكثر سلبية.
وزاد من هذا تهرب الحميري من تحديد موقفه ورأيه في الحلول المطروحة لتلك القضية رغم اعترافه أن الوحدة في الفترة الماضية لم تكن وحدة «بل كان وحده» كما قال !! ولا شك أن القارئ يفهم الفرق بين وحدة بالتاء المربوطة وبين وحده بالهاء!
– كرر الشاب سؤاله مؤكدا أنه يريد إجابة واضحة لا لبس فيها:
– هل يقبل شباب الثورة حق تقرير المصير للجنوب¿!
ومرة أخرى لم يعط «الحميري» ردا شافيا واضحا وراح يتحدث عن ضرورة معالجة قضايا الأرض المنهوبة والوظائف والعشرين نقطة وأن اللجان لم تنجز شيئا حتى الآن مشيرا إلى أن آليتها لا تشجع على الوصول إلى المراد والنتائج المرجوة من مهامها وعملها!! وأن نصف سكان البلاد لا يتحصل على الماء الصالح للشرب ولا على الصرف الصحي: وأن… وأن… وأن.. إلخ.
تحدث كثيرا فنسي أو تناسى السؤال المطروح عليه حتى اليوم!
أما المذيع الأستاذ «جميل» فقد قاطع الشاب عندما كان يتحدث عن بعض إيجابيات الدولة في الجنوب قائلا:
– هل كان النظام في الجنوب يمثل عهدعمر¿! يقصد عمر بن الخطاب!!
وببراءة وتلقائية أجابه ضيفه الشاب بما معناه:
– لا .. لم يكن كذلك ولكن أوجد دولة ونظاما أوجد أمنا واستقرارا مساواة عدالة علاجا وتعليما مجانيا توظيفا سريعا للخريجين خدمات ورعاية اجتماعية للفقراء رغم كل أخطائه!!
وأضاف باعتراف شجاع: كنت أكره الاشتراكي.. لقد تم سحل جدي ولكنني عندما أقارن عهده والعهد الذي أعيشه اليوم فإنني أترحم على ذلك العهد!!
هل يدرك البعض لماذا هذا الحنين إلى الأمس¿!
– لأن الناس فقدوا «الدولة» افتقدوا بغيابها ماهيتهم ووجودهم وفقدوا الأمن والنظام والاستقرار والخدمات بل الكثير من أبسط واجبات ومهام وأسباب وجود الدولة.. أي دولة!!
